كنا نتمنى أن يكون هذا العام أفضل من الماضي، فيحمل معه إقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة تضمن حقوق الأساتذة والمعلمين وجميع العاملين في القطاع العام. لكن ما نشهده في الآونة الأخيرة هو استمرار مسلسل التعسف والتعدي على كرامات الأساتذة الثانويين وحقوقهم، وبتغطية كاملة من رابطتهم.
فالرابطة لم تنتفض لحماية الأستاذ الثانوي حين اتخذ قرار بتكليفه المراقبة في الامتحانات الرسمية - وأحياناً كمراقب غرفة، لا كمراقب عام، ما يضرب عُرض الحائط بالتراتبية الوظيفية والموقع الوظيفي. وقد طبّق هذا القرار للسنة الثالثة على نطاق واسع، بل زيد عليه هذا العام تكليف من لم يطلب المشاركة في المراقبة، وهذه سابقة خطيرة.
إن تعميم المدير العام لوزارة التربية فادي يرق الرقم 96 بتاريخ 10/6/2017 القاضي بإلزام جميع الأساتذة في ملاك التعليم الثانوي بالمشاركة في أعمال التصحيح بمعدل لا يقل عن 50 مسابقة يومياً، مع استثناء من يقومون حصراً بتدريس صفوف السابع والثامن أساسي، وتهديد المتخلفين عن المشاركة باتخاذ التدابير المسلكية بحقهم، هو تعميم مرفوض للأسباب الآتية:

# تربويّاً:

- لأنّ التخطيط هو أساس العملية التربوية، وكان من الأجدى تبليغ الأساتذة مسبقاً، وخصوصاً أنّ عدداً كبيراً منهم ملتزم دروساً خاصة في المعاهد والجامعات، وهذا حقهم القانوني، بعد الدوام الرسمي، ويتعذّر عليهم فسخ العقد أو التخلي عن مسؤولياتهم.
- لأنّه يشمل كل أساتذة صفوف التاسع أساسي، وكل صفوف المرحلة الثانوية، أي أنّه يستدعي أساتذة لم يصححوا في الامتحانات الرسمية، فما الحكمة التربوية من وراء ذلك؟... أو يستدعي من لم يحضروا وضع أسس التصحيح، أو من لا يعلمون صفوف الشهادات، ما يخالف الشروط المطلوبة تربوياً في المصححين، ويجعل مهمة لجان الامتحانات في منتهى الصعوبة.
- لأنه يضع معايير غير منطقية تتعارض مع طبيعة تصحيح مسابقات كل مادة، المتفاوت شكلاً ومضموناً ومدة، إذ يفترض معياراً واحداً، وهو أن لا يقل عن 50 مسابقة يومياً، علماً بأنّ هناك مسابقات تستلزم وقتاً أطول لتصحيحها من غيرها.
- لأنه يعرقل سير العمل داخل الثانويات ويفرغها من الأساتذة، تزامناً مع صدور نتائج الطلاب واجتماعات مجالس الصفوف للبت فيها.

# لوجستيّاً:

- إن الأساتذة المصححين يتحضّرون عادة للتصحيح في الشهادة الثانوية ويرتّبون أوضاعهم وفق ذلك.
- إن المستندات المطلوبة للتصحيح قد شكلت عبئاً على الأساتذة، وما رافق ملء الاستمارة إلكترونياً من مشاكل تقنية دفع الكثيرين إلى التراجع عن التصحيح.
- إن ما جرى في السنة الماضية من أكل مستحقات الكثير من المصححين والمدققين، رغم سهرهم الليالي لإصدار النتائج وضياع جداولهم، قد ثنى البعض عن المشاركة في التصحيح هذا العام.

# قانونيّاً:

- عدم قانونية التعميم الخالي من نصّ قانوني أو حيثيات قانونية يستند إليه ويناقض ما جرت عليه العادة منذ خمسين عاماً حتى الآن. فلطالما كانت المراقبة والتصحيح اختياريين بالنسبة إلى التعليم الثانوي، ما لا يسمح بالتهديد بالعقوبات في حال المخالفة، أي لا عقوبة من دون نص قانوني واضح وصريح، ومع ذلك يهدد التعميم بتدابير مسلكية بحق المتخلفين.

يناقض التعميم
ما جرت عليه العادة
منذ خمسين عاماً


# نقابيّاً:

- تكمن خطورة هذه التعاميم التي تُلزم وتُعاقب من دون حيثيات قانونية واضحة وصريحة في كونها تمهيداً عملياً لتطبيق المادة 37.
- لغة الوعيد والتهديد وقلة الاحترام التي خوطب بها الأستاذ الثانوي مرفوضة ومستهجنة.
- إن قضم حقوق الأساتذة شيئاً فشيئاً سيستكمل قطعاً بالإصلاحات التخريبية لباريس ١..٢..٣، بما فيها إلغاء التناقص والمادة 37 وإلغاء كل ما كان يميز الموقع الوظيفي.
الرابطة الصامتة عن المطالبة بالحقوق لم تصمت عمّا حصل، بل سمعنا أعضاءً فيها يغطون التعميم، ويؤنبون الأساتذة ويفتون للسلطان، ويشدّون على يد المدير العام مستنكرين "ترهل وكسل" أساتذة التعليم الثانوي.
إن التعميم لا يلغيه إلّا تعميم أو قرار... واتصالات رئيس الرابطة المتأخرة بالمدير العام لا تقدم ولا تؤخر، لأن التعميم بإلزامية المشاركة في التصحيح ما زال سارياً.
نستغرب أشد الاستغراب إصرار الرابطة على إسكات الأصوات المحتجة، والنبرة العالية العدائية تجاه الأساتذة ممن يفترض أنهم يمثلونه.
كان يفترض أن نكون اليوم في ذروة التصعيد ضد الذين كذبوا علينا دون أن يرف لهم جفن، الذين يخططون لقضم حقوق كل العاملين في القطاع العام وحقوق المتقاعدين الذين قضوا حياتهم في الوظيفة العامة. ويحق لنا أن نتساءل لماذا هذا الاستسلام التام للسلطة؟ هل أصبح دور النقابات تغطية الإجراءات التعسفية بدلاً من المحافظة على الحقوق المكتسبة وعلى كرامة الأستاذ الثانوي؟
*المسؤولة التربوية السابقة في رابطة أساتذة التعليم الثانوي




«النقابي المستقل» يطالب الرابطة بالاستقالة

استنكر التيار النقابي المستقل تعميم المدير العام للتربية فادي يرق، بإلزام أساتذة التعليم الثانوي الرسمي بالمشاركة في التصحيح في الامتحانات الرسمية تحت طائلة اتخاذ إجراءات مسلكية بحقهم، مؤكداً أنّ أعمال المراقبة والتصحيح هي اختيارية وليست الزامية، فلا قانون يلزم الأستاذ بالقيام بذلك. ورأى التيار أن السلطة السياسية لم تجرؤ على تنفيذ قرار تكليف الأستاذ الثانوي في أعمال المراقبة في عام 2014 بسبب وجود قيادة قوية ومستقلة لرابطة أساتذة التعليم الثانوي آنذاك. التيار دعا الرابطة الحالية إلى الاستقالة لينتخب الأساتذة هيئة إدارية جديدة تمثلهم وتحمل همومهم وتناضل من أجل حقوقهم وموقعهم الوظيفي وكراماتهم.