الوقت ليس بذي أهمية بالنسبة إلى أرونداتي روي (1961). الأحداث تقيسها طبقات السرد التي تتراكم على مهل. بعد عشرين عاماً على إصدار باكورتها الروائية «إله الأشياء الصغيرة» (1997) التي نالت جائزة «بوكر»، صدرت أخيراً الرواية الثانية للكاتبة الهندية بعنوان «وزارة السعادة القصوى»، لتؤكد أن روي لم تتخلّ عن صناعة الخيال.
خلال العقدين الفائتين اللذين فصلا بين الروايتين، لم تتوقف السيناريوات القائلة بأن الرواية لم تكن سوى ضربة حظّ، والتشكيك في ما إذا كانت روي روائية حقاً أو لا. كل ذلك بينما كانت الكاتبة والناشطة اليسارية منغمسة أكثر في الواقع، تتظاهر ضد الاحتلال الأميركي لأفغانستان، وبزيارة إدوارد سنودن في موسكو، وفي التظاهر ضد العولمة، وتوقّع بيانات مندّدة بالجرائم الإسرائيلية في لبنان وفلسطين، كذلك لم تتوقف عن كتابة المقالات السياسية. أما الخيال، فشكّل متنفساً لروي لفهم العالم، بعيداً عن تهاوي البشرية اليومي والسريع. «إله الأشياء الصغيرة» نقلت أجزاءً من حياة روي الذاتية، من خلال أسرة هندية تسوء أوضاعها وتنكسر مع تقدم أحداث الرواية. المآسي الاجتماعية والاقتصادية العامة والفضائح تتربص بمصير العائلة. عبر أساليب سرد مختلفة ومبهرة، أظهرت روي قدرة متفردة على الإيغال في عقول الأطفال ومخاوفهم. نقلت الواقع الهندي والتمييز الطبقي في كيرلا، التي اختارتها لتنوّعها العقائدي الهندوسي والمسيحي والإسلامي والماركسي. لم تشف روي من الأزمات الهندية اليومية. الهند ودلهي تحضران مجدداً في روايتها الجديدة «وزارة السعادة القصوى» التي تعدّ صورة مقرّبة عن العنف اليومي في الهند، بسبب الأزمات الاقتصادية التي تتغذى عليها طبقة محدودة جداً من الأغنياء. السرد يمشي في خطين متوازيين بين دلهي على لسان متحوّلة جنسية تنتقل للعيش في المقبرة، وبين كشمير من خلال الممارسات الهندية الدموية فيها. قضايا لم تغب عن همّها السياسي، بل دفعتها إلى الخروج من الهند العام الماضي إلى لندن، خوفاً على حياتها في البلاد، بعد التهديدات التي تلقّتها.