شوقي أبي شقرا: طاحونة الذكريات | إضاءة 1: «أنا لم أفعل مثل أحد. الأدب العربي قال لي اذهب بعيداً لأنّه يملك قابليات وإمكانات وفضائل أخرى.. وبهذه الوصية التي كانت تحدّياً فعلت وكتبت..

وأعود إلى كلمة «تحدّي»، فهي بالفعل تحدٍّ، ففيما كان الشّعراء ينْصرفون إلى كتابة المواضيع الجلى ويطْرحون مواضيع يعونها على مسْتوى مشاكل الْوطن ومسْتوى التّصوّرات كنْت أنا، شعْرياً، أرى أنّ نبْع وحْيي هو هذا الْإرْث الضّيّق الْواسع الّذي أمْلكه: عالم الْجبل، الْقرْية، الْعائلة، الْمدْرسة» [منْ حديثٍ لصحيفة «السفير» الْبيْروتيّة، 19.08.1981]

■ ■ ■

إضاءة 2:
«يعْتقدون أنّني ألعب. وآخرون يشكّكون. أنا أكتب عن بلادي بطريقتي، على هواي وليس بطريقتك أو طريقة المقال أو الفلسفة. ركّبْت كما يحلو لي واستطعت أن أفعل ذلك. الشّعر ليْس ألفاظاً أو معاني تأْتي خلف بعضها بل لعبةٌ لابدّ من إتْقانها ويكون لديك الملكة أكثر من الموهبة لتتقنها» [منْ حديث لفصليّة «نزوى» العمانيّة].

■ ■ ■

إضاءة 3:
«أَي نعم، الفن لعْبة، لكن علينا أَن نلعب بجدّيةِ طِفْل يَلْعَبُ» [رُ. لْ. سْتِڤِنْسُنْ]

■ ■ ■

لأنْدْري بْروتونْ شذرة بديعة في انتخاب شجرة أنسابٍ لحديقته السريالية الوارفة: «سْويفْتْ سريالي في الْأذى. سادْ سريالي في السادية. فيكتور هوغو سريالي عندما لا يكون بليداً. ألويْسْيوسْ برتران سريالي في الماضي. إدغـار پو سريالي في المغامرة. بودلير سريالي في الأخلاق. رامبو سريالي في ممارسة الحياة وخارجها. مالارمي سريالي في البوح. إلخ» [أنْدْري بْروتونْ، بيان السريالية، 1924، ترجمتُنا].

■ ■ ■

ولو شئنا ضمَّ غصن شوقي أبي شقرا لهذه الشجرة، لَقُلْنَا إنه سريالي في طُفُولَتِهِ/ طُفُولِيَّتِهِ الريفية، ذلك أن قصيدته تعتمد صوغَ عوالمها الشعرية/ المخْياليّة ومعجمها من فضاء الريف اللبناني، في لغة بعيدة عن الزُّخْرُفِ البلاغي، عبر صور سحرية تَتَرَاصُّ فيها المتباعدات غير المألوفة، مما يجعل بناءه للصورة الشعرية قريباً من اشتغال شاعر أثير لدى الحركة السريالية في شقها الفرنسي: پيير ريڤردي [ترجم له أبي شقرا نصوصاً في مجلة «شعر»].

■ ■ ■

بهذا، ومن داخل مجموعة «شعر»، حتى من داخل خريطة الشعر العربي، تميز شوقي أبي شقرا [رفقة أنسي الحاج وسركون بولص الذي مرّ بشكل خاطف، كَنَيْزَكٍ، قرب ظِلَالِ يوسف الخال] عن أدونيس ومريديه الذين بقوا متمسكين بميتافيزيقا عبقرية اللغة العربية وفصاحتها، مما يمثل مُحَافظَةً على مستويي نَحْوِ النصّ وتركيبته الصُّورية لدى أدونيس والأدونيسيين.

■ ■ ■

يكاد يكون بناء الجملة الشعرية لدى شوقي أبي شقرا مخالفاً لبناء الجملة العربية المعيارية، بتقطيرها من الزوائد والروابط بين العبارات parataxe، كتأْتأة الأطفال المقصودة والتي يرفض الشعراء التخلي عنها حتى عند نضجهم العُمُري: للغة المحكية اللبنانية ورافد الترجمة [نقل أبي شقرا السرياليين الفرنسيين ومن على هامشهم للعربية في مجلة «شعر»] دور كبير في صوغ شعرية شوقي، في ما يخص التركيبة النحوية وبناء الصورة، حتى صار بوسعنا القول، استناداً إلى مفهوم جاحظي أساسٍ، إن عدة أبي شقرا الشعرية أدخلت «الضّيْم» على قصيدته، بخلخلة بنْيتها وصوريتها. ضيمٌ يَجْعَلُ لسانَ القصيدة مُنْفَلِقاً نصفيْنِ، في فوضى تَتَنَظَّمُ وَتَنْتَظِمُهَا اللعبة الشعرية.
* شاعر من المغرب