كان منتظراً، كما جرت العادة في البطولات الكبرى، أن يكون الحديث بعد الجولة الأولى من كأس القارات في روسيا عن نجم خطف الأضواء أو عن هدف رائع شهدته إحدى المباريات، غير أن الاهتمام ينصبّ في مكان آخر مختلف كلياً وهو تقنية الإعادة عبر الفيديو التي اتبعها الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» في البطولة.
بسرعة قياسية، تحوّلت هذه التقنية إلى مادة للجدل والانقسام بين مرحّب بها ومنتقد لها بعدما شهدت ثلاث مباريات من الأربع التي لُعبت حتى الآن العديد من الحالات. هذا الانقسام في الآراء يبدو مفهوماً طبعاً نظراً إلى الحجج التي يتمسك بها كل طرف في دفاعه عن رؤيته، تماماً كما يمكن تفهم ترحيب الاتحاد الدولي لكرة القدم سريعاً بالتقنية، إذ قال رئيسه السويسري جياني إنفانتينو: «أشعر بسعادة كبيرة إزاء تقنية الاستعانة بالفيديو حتى الآن. لقد شهدنا كيف يمكن للإعادة بالفيديو أن تساعد الحكام على اتخاذ القرارات الصائبة. هذا هو جوهر هذه التقنية»، إذ طبيعياً أن يصدر هذا الكلام عن الرجل الأول في اللعبة، ذلك أن «الفيفا» سيسعى جاهداً للدفاع عن فكرته وتلميع صورتها قدر المستطاع.

من الطبيعي أن يبدي «الفيفا» وروسيا رضاهما عن التقنية



كذلك يمكن تفهم مباركة الروس لها، إذ قال وزير الرياضة فيتالي موتكو: «تعجبني الطريقة التي يعمل بها هذا النظام، الهدف له قيمة كبيرة. سيكون أمراً مميزاً إذا اكتشفنا في الإعادة أن اللعبة كانت تسلل»، إذ إن روسيا هي مستضيفة الحدث، وبالتالي فإن ما يهمها هو أن يكون ناجحاً ولا تشوبه أي شائبة على كل المستويات، بما فيها هذه التقنية.
بالطبع، لا أحد يرغب في حصول الأخطاء التحكيمية وخصوصاً في البطولات الكبرى، لكن ما يجدر قوله هنا إن ثمة أسئلة وعلامات استفهام حول هذه التقنية تبدأ من أن الخطأ فيها وارد أيضاً، وهذا ما ثبت في مباراة إيطاليا وزامبيا في ربع نهائي مونديال الشباب أخيراً، إذ سقط لاعب زامبي داخل المنطقة من دون أن يتعرض للعرقلة من المدافع الذي كان يلحق به، ليحتسب الحكم ركلة جزاء ويطرد اللاعب الإيطالي. وبعد المطالبة باللجوء إلى الفيديو، كان الغريب أن الحكم لم يتراجع عن قراره، بل استبدل ركلة الجزاء بركلة حرة على حدود المنطقة!
إذاً، الخطأ يبدو وارداً وخصوصاً أن بعض اللقطات تبدو دقيقة وتحتاج إلى معاينتها مراراً وعدم اتخاذ قرار سريع في دقيقة أو دقيقتين.
أضف إلى ذلك أن ثمة علامات استفهام وسؤال حول تأثير هذه التقنية على الحكام، إذ من جهة فإن بعض هؤلاء قد يجد فيها عاملاً مساعداً ينوب عنه في اتخاذ قرارات حاسمة، وبالتالي فإنه يستسهل عمله. ومن جهة أخرى، فإن آخرين قد يجدون فيها تقليلاً من مجهودهم وعملهم، حيث إن الكلمة الفاصلة ستكون للتقنية، فضلاً عن أن مخالفة هذه الأخيرة لقرار الحكم من شأنها أن تضعه في موقف محرج أمام الملأ.
كذلك، فإن إيقاف المباراة لبضع دقائق، ريثما يأتي القرار من حكم الفيديو، يشكل عاملاً سلبياً لنسق المباراة، وخصوصاً إذا كان مرتفعاً ولا يحتمل التوقف مثل هذا الوقت وهذا ما قد يصبّ في مصلحة فريق على آخر، أضف إلى الإحباط الذي من شأنه أن تشكله التقنية فيما لو تم التراجع عن احتساب هدف مثلاً بعد أن يكون اللاعبون والمشجعون قد احتفلوا به، وهذا ما حصل تماماً مع التشيليين في لقطة هدف إدواردو فارغاس.
خلاصة القول إن تقنية الفيديو من شأنها أن تحدث خللاً في تركيبة كرة القدم، وخصوصاً أن الأخطاء هي جزء من اللعبة، مع العلم بأنها لا تحصل في كل مباراة. جمال الكرة أنها لعبة طبيعية وأن الجدل الذي تثيره الأخطاء الإنسانية بات من صميمها. تلك الأخطاء التي دخلت تاريخ اللعبة، إذ لو كانت تقنية الفيديو موجودة لما خُلِّدت كرة هدف الإنكليزي جيف هيرست في مرمى ألمانيا في نهائي مونديال 1966، ولما لا يزال الحديث مستمراً حتى الآن عن هدف «الأسطورة» الأرجنتيني دييغو مارادونا بيده في مرمى إنكلترا في ربع نهائي مونديال 1986.