القاهرة | على الرغم من كل الانتقادات والاحتقان الذي أعقب إقرار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في البرلمان، صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي ليلة عيد الفطر على الاتفاقية، وهو التصديق الذي لم يدخل الاتفاقية حيّز التنفيذ الفعلي بعد، في انتظار نشرها في الجريدة الرسمية، وهي الخطوة التي يتوقع حدوثها بين لحظة وأخرى، وسط صمت سياسي وغياب تحركات في الشارع للاحتجاج على التنازل عن السيادة عن جزيرتي تيران وصنافير.
ويبدو أن السيسي والفريق المحيط به يسعون إلى التغلب على الرفض الشعبي للاتفاقية، من خلال عرض إنجازات داخلية على مدار السنوات الثلاث الماضية. ويسعى الرئيس إلى احتواء الشباب، ليس فقط عبر «اللجان الإلكترونية» التي حاولت التصدي للهجمات عليه عبر مواقع التواصل، ولكن أيضاً بمخاطبة فئات أخرى غير مسيّسة سعياً في استقطابها قبيل أقل من عام على انتخابات الرئاسة المقررة في أيار المقبل.
وحتى الآن، لم يتخذ نواب «25-30» المعارضين للاتفاقية قرار الاستقالة الجماعية الذي أعلنوه، ما يعكس المواقف المتباينة بين النواب بشأن آلية التعامل مع الاتفاقية، في وقت غابت فيه المعارضة عن الشارع وسط أنباء متضاربة عن استعداد مصر لنقل سيادة الجزيرتين إلى السعودية في غضون أيام فقط.
وعلى عكس ما كان مخططاً له من احتفال في القاهرة يحضره الملك سلمان بن عبد العزيز، ستُلغى أي مظاهر احتفالية «تجنباً للغضب الداخلي»، إذ تلقت الرئاسة تقارير تفيد بصعوبة حدوث ذلك مع ضمان عدم اندلاع تحركات احتجاجية في الشارع.
ويبدو دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ قاب قوسين أو أدنى، فيما يأتي عدم نشر الاتفاقية بعد التصديق عليها في الجريدة الرسمية كخطوة لتعطيل الطعن عليها بعد التصديق، علماً بأنّ هناك محامين يسعون إلى رفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري للمطالبة ببطلان الاتفاقية، مع نيتهم المطالبة بإحالتها على المحكمة الدستورية، وهي الآلية القانونية الوحيدة الباقية في مسار هذا الملف.
وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، عمر مروان، خرج بتصريحات جديدة أمس يؤكد فيها أن قرار تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية «ليس وليد الفترة الحالية»، وأن خرائط الحدود البحرية موجودة منذ عام 1990، وتحتوي على نقاط الأساس لكل من مصر والسعودية، وتعتبر ترجمة حقيقية للقرار الذى أصدره الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وأكد مروان أنّ الوضع متفق عليه فعلياً منذ 27 عاماً، وما يجري اليوم هو مجرد «تطبيق للقرار لأنه دخل حيز النفاذ، وملزم ومنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 يناير/ كانون الثاني 1990 ومُدرج في الأمم المتحدة؛ وفقاً لنص المادة 3 من القرار الصادر عام 1990، وهو ما جعل على مصر التزاماً دولياً ومحلياً لتنفيذه».
وحول أهم المراسلات السابقة بين مصر والسعودية حول تعيين الحدود البحرية قال مروان: «توجد مراسلات رسمية بين وزير الخارجية السعودي، أهمها مكاتبتان مهمتان تطالب فيهما السعودية بالجزيرتين الأولى فى سنة 1988 والثانية بتاريخ أغسطس/ آب 1989، ردّ عليها الدكتور عصمت عبد المجيد في مارس/ آذار 1999، أي بعد شهرين من صدور القرار رقم 27 لسنة 1990 الخاص بترسيم الحدود بين مصر والسعودية وضم تيران وصنافير ضمن نقاط الأساس السعودية فى 3 مارس/ آذار 1990».

أُطلقَت صفحة
«مصر 1095» لعرض
«إنجازات السيسي»


وتابع مروان، قائلاً إن عبد المجيد رد آنذاك بأن «حكومة جمهورية مصر العربية تقر بسيادة السعودية على تيران وصنافير»، وأنه «في 4 مارس/ آذار 1990 ناقش اجتماع مجلس الوزراء مسألة الجزيرتين، مؤيداً وزير الخارجية في ما ذكره وفوّض إليه الرد على الخطاب السعودي».
على صعيد مخاطبة الشباب، يبدو السيسي الآن مخاطباً لقطاعات جديدة منهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد نجاح «اللجان الإلكترونية» التي أشرفت عليها «جهات سيادية» في الرد على بعض الانتقادات التي طاولت قراراته، خصوصاً في ما يتعلق بملف تيران وصنافير، حيث أُطلقَت صفحة مؤيدة للرئاسة تحمل اسم «مصر 1095»، في إشارة إلى عدد الأيام التي حكم خلالها السيسي حتى الآن.
الصفحة التي استعانت بعدد من الشخصيات العامة والفنانين ونواب البرلمان لتأكيد «وطنية النظام» وصعوبة الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع، أنفقت أموالاً كثيرة كما يبدو على الصفحة لجذب عدد أكبر من المتابعين، علماً بأن الصفحة لم تلقَ اهتماماً بشكل عام، خصوصاً أن الرئاسة لم تعلن تبعية الصفحة لها، فيما استعانت بوجوه تلقى قبولاً في الشارع مثل الممثل محمد رمضان.
ويبدو أن الفريق المحيط بالسيسي يحاول تكوين ظهير شبابي على غرار تجربة جمال مبارك في الحزب الوطني قبل ثورة «25 يناير»، في تحرك يسعى إلى استقطاب شباب مؤمن بمبادئ السيسي والرد على الانتقادات المحتملة لقرارات زيادة الأسعار المرتقبة. ومن المقرر إعلان هذه الزيادة خلال أيام مع بداية العام المالي الجديد الأسبوع المقبل، وهي زيادات ستطاول أسعار الكهرباء والمحروقات وضريبة القيمة المضافة.