حوّل زاد ملتقى (1967) الجناح اللبناني في «بينالي البندقية ــ 57» إلى معبد بابلي معاصر بعنوان «شَمَش». عند السابعة من مساء اليوم، يعرّفنا الفنان والموسيقي اللبناني إلى مشروعه الذي يستمر عرضه في المدينة الإيطاليّة حتى 26 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
بدعوة من «غاليري جانين ربيز»، سيتضمّن اللقاء مع ملتقى في «متحف سرسق» (الأشرفية ــ بيروت)، فيديو وصوراً لمشروعه، برفقة كورال الجامعة الأنطونية (بقيادة توفيق معتوق) الذي شارك في افتتاح البندقية، قبل أشهر. يعدّ عمل ملتقى المشاركة اللبنانية الثالثة في البينالي، بعد المشاركة اللبنانية الجماعية في عام 2007 (فؤاد خوري، منيرة الصلح، وليد صادق، أكرم زعتري ولميا جريج)، و«رسالة إلى طيار رافض» لأكرم زعتري في عام 2013. خلال زيارته في عام 2015 إلى البينالي الذي يقام كل سنتين، تنبّه ملتقى إلى غياب المشاركة اللبنانية. من هنا، جاء لقاؤه مع وزير الثقافة حينها ريمون عريجي، مقترحاً عليه المشاركة في البينالي، قبل أن يطلب منه الأخير تمثيل لبنان هذه السنة. تطوّرت فكرة العمل وتبدّلت ثم تبلورت وتخلت عن مفهومها الأساسي، إن كان بسبب التكاليف الماديّة (تكتفي وزارة الثقافة بدعم معنوي) أو بسبب الأحداث السياسية التي ألهمت ملتقى. مرّ المشروع بمراحل كثيرة قبل أن يصبح ما هو عليه اليوم: «شمش». العمل الذي يجمع التجهيز الموسيقي والإضاءة والنصب، ينهل من التجارب الفنية المختلفة لملتقى. تجربته كعازف للموسيقى الكلاسيكية، ثم انتقاله إلى التأليف الشرقي المعاصر الذي حوى تجريباً صوتياً وموسيقياً لافتاً، إلى جانب أعماله التشكيلية التجريدية التي بقيت مخبأة لفترة طويلة قبل أن تعرض قبل سنوات في «غاليري جانين ربيز» في بيروت. كذلك، فإن هناك مرجعيات فكرية ونظرية عدة، شكّلت خلفية للعمل، ومنحته طابعه المحلي الشرقي عبر تتبع الروابط الخفية لكن اللافتة التي تربط الحضارة المشرقية القديمة (بلاد ما بين النهرين) والمآسي السياسية اليوم. جاءت الفكرة على مراحل، كما يؤكد ملتقى. في إحدى حفلاته الموسيقية في باريس، قام بتمديد وتبطيء صوت محرّك سيارة «فيراري»، محاولاً إخراج أصوات مختلفة منها. في «شمش» تغيّرت الموسيقى كلياً. تخيّل ملتقى الأمر تحت سماء حلب ومعاركها؛ أصوات الصواريخ والقنابل والقصف. عمل على تمديد أصوات الطائرات الحربية وخرج منها بأصوات غير متوقعة سنسمعها في تجهيزه الصوتي، برفقة أصوات كورال الجامعة الأنطونية باللغة الأكادية القديمة. تخرج أصوات المغنين وتتحاور مسرحياً في فضاء العرض في الترسانة القديمة (أرسينالي)، الذي تفصله عن أجنحة البينالي الأخرى رحلة بالمركب. عزلة أرادها ملتقى ليحفظ أجواء قداسة المعبد. هناك جسم طائرة حربية استطاع ملتقى الحصول عليها من بريطانيا لوضعها في منتصف فضاء عرضه. شكلياً، يحيل جسم الطائرة الطولي إلى النصب الأسود الذي حُفر عليه قانون حمورابي، والذي يظهر إله العدالة والشمس لدى البابليين «شمش» في الجزء الأعلى منه. يقوم العمل على قراءة التشابهات البصرية والتقاطعات الدموية بين الماضي والحاضر، والعدالة الإنسانية الأولى والعدالة الإلهية التي تسقط من السماء على شكل صواريخ. يحاول ملتقى تظهير ومساءلة العنف الذي يعم الشرق على مرأى من التاريخ والحضارة الشرقية التي عمرها 4000 سنة. هل تغيّر الزمن فعلياً؟ الحضارة؟ هناك خط مستمر في العمل؛ إن تقدّم يعيدنا إلى الماضي، وإن رجع إلى الوراء يحيلنا إلى التطورات التي تستخدمها البشرية للقتل. تدمير مدينة أور السومرية يلتقي مع معارك حلب. يحاكي العمل مفهوم البشرية الأشمل، الخير والشر بصورتيهما وتجسيداتهما القديمة والحالية. وفي دلالة إلى ضوء الشمس (إله الشمس) يصنع ملتقى إشعاعات الشمس الذهبية من آلاف القطع النقدية المعدنية من فئة (250 ل ل) على جدار عملاق، تتراءى فيه غيمة مظلمة (مصنوعة من أولى النقود المعدنية الفضية اللبنانية). من الذهب الذي تستعمله الصروح الدينية، بما يخالف مضامين النصوص الدينية القادمة منها أحياناً، يستخرج من اللون الذهبي الوجه القاتم لإله العدالة البابلي، وللعدالة المعاصرة ربّما. يبدو ملتقى راضياً عن مشاركته في البينالي، وبالأصداء العالمية التي نالها العمل، باستثناء الانقسامات اللبنانية حول مشاركته، آملاً أن يحظى المشاركون القادمون بدعم معنوي ومادي أكبر.

* لقاء مع زاد ملتقى حول «شمش»: اليوم ــ 19:00 ــ «متحف سرسق» (الأشرفية ــ بيروت). للاستعلام: 01/202001