ما يحدث في أروقة «المسرح القومي السوري» يكاد يصبح ضرباً من الخيال! ربّما لن يصدّق أحد بأنّ المسرح القومي يعمل مع مخرجيه وممثليه حتى اليوم من دون عقود، ولا يدفع أجراً للممثل عن العرض المسرحي سوى ما يعادل 150 دولاراً أميركياً، علماً بأن الممثل سيلتزم لحوالى 75 يوماً في التمرينات اليومية، ومن ثم حوالى 20 يوماً في عروضه أمام الجمهور...
بحسبة بسيطة، يكتشف أي مطّلع أنّ الممثل المسرحي سيحتاج فوق أجره إلى ما يقارب 200 دولار على مدار فترة إنجاز العرض، هذا إن لم يصرف يومياً سوى ثمن علبة سجائر وأجرة تاكسي ذهاباً وإياباً إلى المسرح! لكن الأجر المهين الذي يدفع حتى اليوم، لن يكون صلب الكارثة الثقافية، بل يتخطى الأمر ذلك إلى درجة غياب العقود واحتكام الممثلين أحياناً إلى عقليات مربكة، وربما تصفية حسابات معقّدة مع كلّ من يحقق حضوراً على التلفزيون، وقرّر أن يعيد تأهيل أدواته بعرض مسرحي. على سبيل المثال، لو حدث أي ضرر للممثل، أو تعرض لحادثة سقوط أثناء البروفات وكسرت ساقه، فلن يجد من ينظر في وجهه، وربما لن تتنازل «مديرية المسارح» بإرسال باقة زهور له يكتب عليها جملة: «تعيش وتاكل غيرها»، طالما أن العمل المسرحي وفق هذه الظروف صار بمثابة ورطة ومقلب بائس.
آخر ما حُرّر من معجزات «المسرح القومي السوري» في دمشق، هو ما حصل أخيراً مع الممثلة الشابة رشا بلال (الصورة) التي تتلمذت على يدي النجم السوري الراحل نضال سيجري في مسارح مدينة اللاذقية، وحصدت استحساناً لدى مشاركاتها التلفزيونية، ثم فازت بدور بطولة محوري في مسلسل «فوضى» (تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير، وإخراج سمير حسين ــ قيد التصوير). استدعيت بلال للعمل مع مخرجة مسرحية تُدعى آنا عكّاش، لم يحالفنا الحظ بسماع اسمها ضمن إنجازات المسرح السوري المعاصر، باستثناء تحضيرها لعرض نسائي بعنوان «هنّ» من تأليفها وإخراجها وبطولة خمس ممثلات، سيُعرض في تموز (يوليو) الحالي على خشبة «مسرح القباني» في دمشق. وبعد مضي حوالى شهرين على بدء التدريبات، نهضت عكّاش عن كرسيّ الإخراج في لحظة إبداع وتجلّ وقرّرت استبعاد بلال! لم يكلّفها الأمر سوى تناول هاتفها النقّال، وإرسال رسالة قصيرة جداً تقول فيها: «نعتذر منك. لا يمكنك الاستمرار معنا». جرّبت الممثلة الشابة معرفة السبب، من دون أن تلقى اتصالاتها المتكرّرة أي رد. فقررت اللجوء إلى مدير المسارح والموسيقى عماد جلّول، فما كان من المصور الفوتوغرافي المعروف سوى أن قدّم اعتذاراً أدبياً، من دون أن يوضح الأسباب، أو يبدي استعداده للتدخل لوضع حدّ لتهاوي السلوك المهني لمخرجته. كذلك، أوضح جلّول أن المديرية لا تعرف حتى أسماء الممثلين الذين يستقطبهم المخرجون، وكلّ ما يهمه هو إنجاز العروض في وقتها!
«الأخبار» حاولت التواصل مع عكّاش، لكن الرد كان مخيّباً إلى درجة أنها اكتفت بالقول «لم أستبعد الممثلة بطريقة رديئة»، كما وصفناها، وأنّ الأسباب التي أوضحها مدير المسارح والموسيقى «كافية، ولن أعيدها على مسامعكم»، قبل أن تتهمنا بأنّنا «نصطاد في المياه العكرة»!