ما ان أقرّ القانون النسبي حتى ظهر عشرات المرشحين ممّن يسمّون أنفسهم «المجتمع المدني» في العاصمة. غالبية هؤلاء ليسوا من المدينة، ولكنهم رأوا في بيروت المحطة الأسهل ليبدأوا منها مسيرتهم، باعتبار أنها ستوفر عليهم عملاً شاقاً في التسويق لأنفسهم.
ويبدو أن ثمة من يريد أن تصل «اللقمة» الى فمه من دون مجهود يذكر، فاختار النزوح الى العاصمة التي سبق لـ«بيروت مدينتي» أن أرست فيها أرضية ما: لِمَ البدء من الصفر في حين يمكن البدء من منتصف الطريق؟ هذا ما أدركته المجموعات المدنية باكراً، فانبرت الى التعاون، محاوِلةً توحيد جهودها لخوض الانتخابات المقبلة بائتلاف واحد ومعايير واضحة من حيث البرنامج السياسي واستراتيجية المعركة... والأهم: آلية واحدة لاختيار المرشحين يفترض أن يخضع لها الجميع حتى لا يتكاثر المرشحون وتتضاعف معهم المشكلات.

يظن بعض
المرشحين أنهم «حالة» بحدّ ذاتها ولا يجوز إخضاعهم لأي آلية



منذ مدة، بدأت المجموعات التنسيق في ما بينها من «بيروت مدينتي» (اتخذت قراراً بخوض الانتخابات النيابية، لكنها لم تحسم بعد ما إذا كانت ستخوضها كمجموعة، أو كأفراد تدعمهم المجموعة) الى «مواطنون ومواطنات في دولة» الى «بدنا نحاسب» و«طلعت ريحتكم» و«سبعة»، وصولاً الى المرشحين المستقلين أمثال القيادي السابق في التيار الوطني الحر زياد عبس. يقول الأمين العام لـ«مواطنون ومواطنات» الوزير السابق شربل نحاس في هذا السياق إن «الاجتماعات تضم كل الناشطين الذين تلاقوا في ساحات المواجهة والمؤيدين للدولة المدنية، ونأمل التوصل الى نتيجة عمّا قريب». وذلك لا يشمل العاصمة وحسب، بل يمكن القول إن «بيروت جزء طبيعي من الحملة التي ستشمل كل لبنان، فنحن نعمل على تحالف وطني واسع وترشيحات في كل المناطق». نحاس متفائل كما غالبية المجتمعين، ولكن الأهم اليوم العمل على «برنامج سياسي واضح وإدارة المواجهات بطريقة موحدة لتقديم بديل متماسك من أحزاب السلطة الحاكمة». والواضح أن انتخابات نقابة المهندسين، وبعدها انتخابات المعلمين، أظهرت أن نحو 40% أو 50% من المواطنين يقفون في وجه الطقم السياسي وغير راضين عن تركيبة الاحزاب وتحالفاتها وطريقة عملها. وهو ما يحتّم «تأمين بديل حقيقي للمواطنين يجسد تطلعاتهم وآمالهم»، رغم عدم تفاؤل نحاس بإتمام الانتخابات النيابية في موعدها، نظراً الى هذه النتائج المقلقة للسلطة. فالحدث اليوم هو «التمديد وليس قانون الانتخاب». وبصرف النظر عمّا ستؤول اليه الامور في أيار المقبل، في بيروت نواة ائتلاف مفترض أن يشكل قلقاً اضافياً للأحزاب السياسية، شرط أن تنجح هذه القوى في التعاون معاً من دون أن تفرّقها شياطين التفاصيل، إذ بدأت المشكلات تظهر نتيجة الحديث عن «آلية اختيار المرشحين»، في وقت عارض البعض هذا الأمر من منطلق أنه «حالة» بحدّ ذاته ولا يجوز إخضاعه لأي امتحان. وعن ذلك يقول عبس إن «الآلية ما زالت في طور المناقشة، وأنا أؤمن بأن قدرتنا على المنافسة تتوقف على الاتفاق على آلية واحدة لاختيار المرشحين واستراتيجية سياسية واحدة حتى نتمكن من خوض الانتخابات بائتلاف موحد وإلا تفلت الامور من أيدينا ويصبح لدينا العدد الأكبر من المرشحين في لبنان كله». أما نقطة الخلاف الأخرى فتكمن في رغبة بعض المجموعات في الهيمنة على قرار الائتلاف، إما عبر طرح نفسها كمموّل لهذا التحالف وفرض شروطها عليه، أو عبر تقديم نفسها كالأكثر خبرة ومعرفة بين الباقين. وهو ما يفترض علاجه سريعاً بغية عدم إخلاء الساحة للقوى الحزبية والشخصيات التقليدية التي بدأت العمل وأقلعت ماكيناتها الانتخابية بنشاط.
فعلياً، تنطلق المجموعات المتحالفة من نقاط بمثابة مسلّمات يجدر بكل القوى الأخذ بها وتطبيقها داخل مجموعتها قبيل الحديث عن تحالف واسع:
1ــ يقول المرشح السابق على لائحة «بيروت مدينتي» طارق عمار إن واحداً من المبادىء الأبرز لنجاح التحالف هو أن يكون تركيز مختلف المجموعات على المشروع الانتخابي وليس على الأفراد، إذ يفترض بكل مرشح أن يقتنع بأن شعار العمل بالقانون الجديد هو «اللائحة أولاً والمرشح ثانياً». وذلك لأن النسبية فرضت واقعاً جديداً، وبالتالي يجدر بكل مجموعة العمل على تنظيم وضعها الداخلي وتوحيد رؤية أفرادها وخطابهم قبيل الانتقال الى مجموعة أكبر. والأهم الارتقاء الى ما هو أبعد من الأفراد والمجموعات.
2ــ تشير مصادر مشروع الائتلاف الى ملاحظة رئيسية تقطع الطريق على بعض الطامحين. فصحيح أن بيروت منفتحة ومتنوعة، لكنها تحتفظ بخصوصيتها ولا تقبل أن يسقط عليها مرشحون بالمظلة. فتبنّي مرشحين غير معروفين ولا يحملون أي خطاب سياسي ومن دون برنامج عمل، من شأنه أن يضعف اللائحة ويسمح بفتح ثغرة تستغلها قوى السلطة.
3ــ توحيد الخطاب السياسي هو الحاجة الأكثر إلحاحاً في ظل تعدد خطابات المجموعات واختلافها من واحدة الى أخرى. لذلك من الضروري التوصل الى برنامج سياسي واضح ومفصل يوافق عليه ويلتزم به الجميع، لأن تعدد الخطابات والرؤية والأفكار سيسهم في تضييع بوصلة الائتلاف ونشوء الخلافات بين أفراده. ويرى البعض أن هذه النقطة هي الأساس في تحديد مصير نجاح أو فشل تحالف القوى المدنية السياسي، إذ من الصعب جداً التوافق حول رؤية مشتركة في ما خصّ عدة قضايا رئيسية، أهمها سلاح المقاومة والموقف من القوى السياسية، وبرنامج ما بعد الانتخابات النيابية.