ليست كل الأورام "هيداك المرض"، فثمة أورام "حميدة" أيضاً. تعيش داخل أعضاء الجسد، وكأنها غير موجودة. وفي غالب الأحيان، لا يشعر الفرد بوجودها، إلا عندما تصبح بـ"السنتمترات". وهنا، لسنا في وارد سرد قصص الأورام الحميدة، وإنما الحديث عن نموذج واحد منها، وهو الورم الغدّي الليفي ( Fibroadenoma)، والذي يعدّ أحد أكثر أنواع حالات الثدي المرضية انتشاراً.

لا يقتحم هذا الورم عمراً محدّداً، إذ يمكن الإصابة بهذا النوع في أي عمر، وإن كان غالباً ما يبدأ بالظهور في فترة البلوغ، وخصوصاً لدى الفتيات اليافعات والذي يتجلى ظهوره على صورة كتلة واحدة في أحد الثديين أو كليهما.

لا يؤثر استئصال أورام الثدي الحميدة على شكل ومبنى
الثدي عموماً

مع ذلك، فإن "هذا" الذي لا يسمونه حميداً دونه عوارض، ويتكون من عدة أنواع ويحتاج في بعض الأحيان إلى علاجات. وفي ما يلي، سنورد عرضاً بسيطاً لهذا النوع من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة.
■ ما هي أعراض أورام الثدي الحميدة؟
"الكتلة"، هي العارض الأول الذي ينبئ بوجود شيء ما في الثدي، إذ قد يظهر في أحد الثديين كتلة واحدة أو أكثر، وغالباً ما يتراوح قطر هذه الكتل 1 و2 سنتم، وإن كانت، في بعض الحالات، قابلة للنمو ليصبح قطرها أكثر من 5 سنتيمترات. ولتلك الكتل خصائص، لعل أهمها أربع:
ـ "مطاطية" البنية.
ـ دائرية الشكل وواضحة الحدود.
ـ قابلة للحركة تحت الجلد عند تحسسها.
ـ غير مؤلمة في غالب الأحيان، إلا في حالات نادرة تصبح معها لينة ومؤلمة بعض الشيء، خصوصاً في الفترة التي تسبق "الدورة الشهرية".

■ ما هي أنواع أورام الثدي الحميدة؟
تقع أورام الثدي في ثلاثة أنواع: البسيطة والمعقدة والعملاقة. غير أن هذه الأنواع الثلاثة لا تنذر بالخطر، إذ أنها في غالبية الأحوال لا يمكن أن تتحول إلى ورم سرطاني.
ـ ورم الثدي الحميد البسيط (Simple fibroadenoma):
يتراوح حجم الكتل في هذا النوع من أورام الثدي الحميدة بين 1 و3 سنتم. لكن، برغم هذا الحجم الكبير نسبياً، لا يجعل ظهور هذا النوع من الأورام في الثدي المرأة المصابة به أكثر عرضة من غيرها للإصابة بسرطان الثدي.
ـ ورم الثدي الحميد المعقد (Complex fibroadenoma):
على عكس النوع الأول، فإن ورم الثدي المعقد يزيد من احتمالية إصابة المرأة بسرطان الثدي، ولكنه لا يتحول أبداً إلى ورم سرطاني.

لن تضطر المصابة غالباً
للخضوع لأي إجراءات طبية
بعد استئصال الأورام


ـ ورم الثدي الحميد العملاق (Giant or juvenile fibroadenoma):
في بعض الأحيان، قد ينمو ورم الثدي الحميد ليزيد حجمها عن 5 سنتيمترات، وعندها يتحول من ورم بسيط أو معقد ليصبح ورماً عملاقاً. وعلى عكس أورام الثدي السرطانية، فإن أورام الثدي الحميدة لا تتسبب بحدوث إفرازات من حلمة الثدي، أو أي نوع من الورم في الثدي والاحمرار والطفح الجلدي حوله.

■ من هنّ ‎الأكثر عرضة للإصابة به؟
‎تعتبر أورام الثدي الحميدة شائعة الحدوث بين الكثير من النساء والفتيات عموماً، إذ تصاب حوالى 10% من النساء بهذه الأورام غالباً دون أن يدركن ذلك. ويشيع ظهور هذا النوع من الأورام بين الفتيات والنساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و35 عاماً، أو أثناء فترة الحمل أو الإرضاع.
ثمة عامل آخر لتخمين من هنّ الأكثر عرضة، وهو "السجل العائلي"، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن وجود امرأة في العائلة قد سبق لها الإصابة بسرطان الثدي قد يرفع من فرص الإصابة بهذا النوع من الأورام الحميدة. وغالباً ما تنشأ كتلة واحدة في الثدي، إلا في ما نسبته 10 إلى 15% من الحالات التي يظهر فيها أكثر من كتلة في ذات الوقت أو في مراحل عمرية مختلفة.

■ كيف يتكون الورم؟
‎لا يوجد سبب محدد بعد لظهور أورام الثدي الحميدة، ولكن يعتقد عدد من الأطباء المتخصصين أن هذه الكتل تنشأ وتتطور نتيجة التغيرات الحاصلة في مستويات هرمون الأستروجين في الجسم. ويشير هؤلاء إلى أن الثدي يتكوّن من "فصيصات" (Lobules)، وهي الغدد المنتجة للحليب (Milk-producing glands)، إضافة إلى قنوات تحمل الحليب وتوصله إلى حلمة الثدي (Ducts). وعادة، ما يحيط بهذه الغدد والقنوات أنسجة دهنية تحميها. ويبدأ ورم الثدي الحميد بالتكون في إحدى فصيصات الحليب، لتكبر الأنسجة وقنوات الحليب المحيطة بالقصيصة لتكون في النهاية كتلة متماسكة ولينة. وهذا ما يسمونه الورم الحميد.

■ ماذا عن التشخيص والفحوصات؟
عندما تشعر المرأة بوجود كتلة في الثدي، عليها أن تقوم بزيارة الطبيب والمتوقع في هذه الحالة، أن يقوم الطبيب بتحويل المريضة إلى عيادة متخصصة بمشاكل الثدي، حيث تقوم مجموعة من المتخصصين بإخضاع المرأة لعدة فحوص يطلق عليها ما يسمى بالتقييم الثلاثي (Triple assessment)، وذلك للوصول إلى التشخيص الدقيق. وتشمل الفحوصات:
ـ فحص ثدي يدوي خارجي.

إذا اخترت عدم استئصال الأورام نظراً إلى صغر حجمها، قد يطلب منك الطبيب مراقبتها

ـ فحص الثدي بالأشعة فوق الصوتية (Ultrasound scan) أو التصوير الشعاعي للثدي (Mammography).
ـ خزعة من الثدي (Core biopsy) أو الوخز بإبرة رقيقة (Fine needle aspiration - FNA).
كلما كانت المصابة بورم الثدي الحميد أصغر سناً كلما كانت الإجراءات المتخذة أقل شدة، بل أنها قد لا تضطر للجوء للتقييم الثلاثي بكامل إجراءاته، إذ أن مجرد فحص الثدي اليدوي والفحص بالأشعة فوق الصوتية قد يكونان كافيين ولا يحتاج الأمر إلى أخذ خزعة.
أما إذا كانت المرأة في عمر أكبر من 40 سنة، غالباً ستحتاج إلى إجراء فحص بالأشعة فوق الصوتية بدلاً من التصوير الشعاعي للثدي.
■ ماذا عن ‎العلاج والتعامل مع ورم الثدي الحميد؟
توجد عدة طرق للتعامل مع الورم الحميد والتخلص منه:
ـ مراقبة أورام الثدي الحميدة دون استئصالها، خصوصاً إذا كانت صغيرة ولا يبدو أنها تكبر مع الوقت، فإن بقاءها غالباً لن يسبب أي ضرر.
ـ الحل الجراحي، ويشمل أحد خيارين:
ـ الاستئصال الخزاعي (Excisional biopsy) وهي عملية جراحية يتم اللجوء إليها لإزالة كتل الثدي الحميدة المعقدة أو العملاقة.
الاستئصال الخزاعي بمساعدة ضغط الهواء (Vacuum assisted excisional biopsy)، وهذا الإجراء لا يحتاج إلى شق جراحي كبير في الصدر كما في النوع الأول، ومن الممكن القيام به تحت تخدير موضعي. وغالباً، ما يجري اللجوء لهذا النوع من الإجراءات الطبية في حال كانت الكتلة أو الكتل الحميدة في الثدي صغيرة في الحجم. وهنا يتم إدخال أنبوب مفرغ عبر شق صغير في الثدي ليتم شفط الورم إلى الخارج بالكامل، مع مراقبة ما يحدث في داخل الثدي والتأكد من دخول الأنبوب للمواقع الصحيحة عبر مراقبة الثدي داخلياً بأشعة فحص الثدي مباشرة على الشاشة. بعد ذلك، يتم إرسال الكتل التي جرى استئصالها إلى المختبر لفحصها، ومن الجدير بالذكر أن هذا الإجراء قد يسبب بعض التورم والألم لعدة أيام.
بعيداً عن الإجراءات الجراحية، هناك إجراء غير جراحي يسمى بالكي بالتجميد (Cryoablation)، وفيه يراقب الطبيب الورم الحميد في الثدي عبر الأمواج فوق الصوتية على شاشة جهاز مخصص، بينما يحمل أداة إلكترونية يطلق عليها اسم "الكرايبروب" (Cryoprobe) يضغط بها بلطف على بشرة الثدي لتقوم بتجميد الأنسجة المحيطة بالورم ما يؤدي إلى تدمير الكتلة الحميدة دون جراحة.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]