من أقاصي شمال سوريا وبذاكرة عبر بها نهر الفرات، كما شقّ دربه في قريته جرابلس (125 كم شمال شرق حلب)، حمل الشاب السوري مصطفى المصطفى (الصورة) زوّادته المتمثلة في مجموعة كبيرة من الكتب التي قرأها في مكتبة مدرسته، مهملاً منهاجه الدراسي. كان ذلك استجابة إلى نصيحة العارفين بأنه لن يقبل في «المعهد العالي للفنون المسرحية»، إلا بعد أن يهضم عشرات الكتب، ويبني شيئاً إسمه ثقافة.
عندما بلغ كراجات دمشق، جلس على أوّل رصيف وراح يبكي، ظنّاً منه أن العاصمة ابتلعته ولن يعود يوماً إلى قريته. بعد قليل، أثار شفقة أحد المارة فسأله عن السبب الذي يبكيه، قبل أن يدلّه إلى وزارة الثقافة ظناً منه أن التقدّم على المعهد يبدأ من هناك. بعد قليل، سيصل المصطفى إلى المعهد، ليقدّم أوراقه ويعود أدراجه من حيث أتى. وعلى سبيل المصادفة سيعود إلى فحص القبول محضّراً مشهداً من مسرحية مصطفى الحلاج القصيرة «الدراويش يبحثون عن الحقيقة» كأنه يستلهم شيئاً من قصّته. هو الدرويش الذي استفاق على ريف مقفر وأراد البحث عن الحقيقة، ظنّاً منه أنها تكمن في مهنة الوهم، وتقمّص الشخصيات والعيش كل فترة مع إحداها. حينها اكتشف معلّمه فايز قزق موهبته الفطرية، واستبعد عنه الاختبار الثقافي الثقيل. سأله ببساطة عن عدد سكان قريته، فاستعاد الطالب المربك منظر اللوحة الطرقية الموجودة عند مدخل جرابلس، وقد كتب عليها عدد سكانها 26729 فردّد الرقم بدقة. ضحك قزق، وعرف أن أمامه موهبة تستعين بذاكرتها بشكل صائب في الوقت المناسب. بعد أربع سنوات، خرّجه عبد المنعم عمايري في عرض مسرحي حمل اسم «سيلكون» برفقة دانا ماريني ويزن الخليل وحلا رجب ومصطفى سعد الدين ولوريس قزق وآخرين، وقد نالت الدفعة رضا الجمهور والنقاد معاً. ربما كانت آخر دفعات الألق بالنسبة إلى المعهد. منذ ذلك الحين، لم يتمكّن الشاب السوري من زيارة أهله، بعدما قطعت الحرب جميع الأوصال إلى هناك. حتى إنّه فقد قبل أشهر أخاه الوحيد ذا الرابعة عشر عاماً، من دون أن يتمكّن من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه. لكنه ما زال يفتتح نهاره كل يوم بمكالمته المعتادة مع والدته، ثم يبدأ بتبديد طاقاته كما يفعل أستاذه عبد المنعم عمايري بين المقاهي نهاراً والتفرّغ للقراءة والتراكم ليلاً. جسّد عشرات البطولات التلفزيونية في «بقعة ضوء» و«عناية مشددة» و«باب الحارة» و«أحمر» و«زوال» و«قناديل العشاق» وغيرها. قدّم مشهداً واحداً في مسلسل «الندم» (حسن سامي يوسف والليث حجو)، فترك أثره إلى درجة أن الجمهور يتذكّره، وقد حاز إعجاب مخرج العمل. اليوم، يتحضّر مصطفى ليمشي خطوة هامة في مشواره المهني، من خلال بطولة مسلسل «الواق واق» («الجزيرة» سابقاً ـــ تأليف ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو). نشاهد هنا قصة 17 سورياً قرّروا الهرب على متن باخرة مواش، تغرق السفينة فيلتجئون إلى جزيرة غير مأهولة. تبدأ هناك معاناتهم وحروبهم مع بعضهم، لتأسيس ما يشبه وطنهم الخاص، من نشيد وعلم وتفاصيل. سيجسّد المصطفى إحدى بطولاته بدور تيسير الإسلامي المتعصّب. يقول صاحب الدور في حديثه لـ «الأخبار»: «كان حلماً بالنسبة إليّ أن أعيد صياغة نصّ ممدوح حمادة وألعب إحدى شخصياته، لأن نصّه على وجه الخصوص يمتاز بالشمولية، وتقاطع هموم وتفاصيل الشخصيات مع الملايين من البشر. كذلك الحلم كان موصولاً لتجسيد شخصية رئيسة مع مخرج مثل الليث حجو الذي قبلت العمل معه بمشهد واحد في «الندم» وتركت صدى جيداً على ما يبدو». أما عن طبيعية الشخصية، فيضيف الممثل الشاب: «تيسير شخص متعّصب تبنّى منظومته على حرفين هما «لا». يغار بجنون على زوجته التي تؤدي دورها مرام علي. ورغم حالة العمل الكوميدية، إلا أن الشخصية تنحو باتجاه الحياتي والجدية».