لا يفكّر عابد فهد كثيراً في حالة النجومية التي صنعها، ومؤشراتها الجماهيرية، ولو تباينت بين الصعود في أعمال عربية مشتركة تحكي قصص حبّ ساذجة، أو الهبوط نتيجة الانكفاء نحو مشاريع يفترض أن تكون أعمق من ناحية القيمة الفنية. يعتبر النجم السوري بأنه صنع خلال ربع قرن تاريخاً فنياً صلباً، بناه بأظافر حفرت في الصخر. هجر مدينته اللاذقية في سنّ مبكرة، واستأجر غرفة صغيرة في «شارع الباكستان» الدمشقي. من هناك بدأ مشواره، لذا فإنه يتذكّر بوضوح معالم تلك الغرفة وذكرياته فيها. بلغ قبل أعوام ذروة تألّقه الجماهيري، وصار رقماً صعباً في الدراما العربية، إلى درجة باتت تتهافت عليه شركات الإنتاج كونه نجم شارع لا يشق له غبار. لم يعرف في لقاءاته، المواربة ولم يتحل بالمجاملة المطلوبة لحماية مصالحه. فضّل قول الحقائق كما هي، وتوجيه الانتقادات حتى للأعمال التي كان بطلها، فخسر جهات إنتاجية، وأعاد ترتيب أوراقه وتموضعه الفني وفقاً للمتاح من المشاريع الكبرى، التي تطمح أن تعيد شيئاً من ألق الدراما السورية المفقود.

مع ذلك، ما زال «الظاهر بيبرس» النجم المفضّل لدى شركات سورية لامعة إحداها «إيبلا الدولية» (هلال أرناؤوط) التي صنعت بشراكته أهم أعمالها بدءاً من «عرب لندن»، و«الظاهر بيبرس»، و«هدوء نسبي»، و«قلم حمرا» وأخيراً «أوركيديا» (كتابة عدنان العودة وإخراج حاتم علي). العمل الأخير مُني بفشل واضح يعترف به عابد رغم إخلاء مسؤوليته من ناحية براعة الأداء واللعب بطريقة ثاقبة في إجادة دوره المحوري.

مسلسل يروي انتقال طبقة سورية من حيتان المال والأعمال إلى لبنان
يحيل هذا الفشل، إلى القصور في التبني اللازم للمقترح الحكائي والشكل الذي أراد المسلسل أن يطلّ به، إضافة إلى الخيارات الإنتاجية المعقدة وغير المناسبة، خاصة أماكن التصوير. يمضي نجم «الولادة من الخاصرة» منذ فترة إجازة طويلة في اللاذقية مدينته المفضلة برفقة زوجته الإعلامية زينة يازجي وبقية عائلته. هناك يشعر كأنه يعيد ترميم ذاكرته المتقدة بالحنين إلى هذه المدينة. الحفاوة الدائمة، والمحبة التي يحاط بها من أهل مدينته، جعلتاه يمدّد استراحته أكثر من مرّة. لا يحتاج سوى الخروج إلى الشارع أو الوصول إلى الشاطئ، حتى يباغت بجموع من المحبين والمعجبين والأصدقاء القدامى، تحاصره الأسئلة عن جديده، وعما إذاً كان فعلاً يحضّر العدة لجزء جديد من «الولادة من الخاصرة» (الأخبار15/7/2017). يرافق يومياته شخص اسمه مالك، أحد أصدقاء طفولته وأكثر من يجيد صناعة الفرح بقربه، خاصة أنه يفهم عليه بالومى ويحترف إلقاء النكتة بطريقة خفيفة مشابهة لأسلوب النجم السوري في الكوميديا. على رمال الشاطئ، قرر فهد أن يلعب الكرة الطائرة مع مجموعة هواة بينهم كابتن منتخب سوريا لكرة القدم زياد شعبو، لكنه لا يصل إلى ذات المتعة التي يحصدها عندما يلعب كرة القدم وهي رياضته المفضّلة!
المقاهي القديمة في المدينة الساحلية، تعني له دوماً أشياء جديدة. عبوره في حيّه القديم، يقذف إليه بعض الالتقاطات المرتبطة بوالده المغني الراحل جورج فهد. لا يتوقّف عن التخطيط لمشاريع حياتية حماسية، إلى درجة أنه يريد دعوة جميع أصدقائه إلى اللاذقية، ويفكّر دوماً بطريقة جدية تعيد إلى البلد غالبية زملائه الممثلين والمخرجين الذين هجروها بداعي الحرب. ستطول إجازة فهد إلى أيام قادمة، قبل أن يلتحق مجدداً لتحضير عمل سوري جديد من إنتاج «إيبلا». على أن يكون هذه المرّة اجتماعياً معاصراً يروي قصص طبقة سورية مختلفة، من حيتان المال والأعمال التي اقتحمت لبنان، أو نقلت نفوذها إليه، وبدأت تتحكم ببعض مصائره. المسلسل لا يزال في طور التحضير المبدئي ومن المبكّر التصريح عن حيثياته. كما أن إنجاز جزء جديد من «الولادة من الخاصرة» ما زال فكرة مطروحة لكنها مرهونة بمنتجها إياد نجار.