نظنُّ أن سيارة ممدوح عدوان (1941- 2004)، أشهر من أسماء عشرات الكتّاب الطارئين المسجّلين في القوائم الرسمية. سيارة فولكسفاغن حمراء منقطة بالأسود على هيئة دعسوقة، لطالما عبرت شوارع دمشق كماركة مسجّلة لصاحبها. منذ أيام التقطت إحداهن صورة تذكارية إلى جانب السيارة فأعادت سيرتها مجدّداً كذكرى عصية على النسيان.
السيارة التي تحمل الرقم (143840) لم تغادر رصيف أحد شوارع حي المزّة، مكان إقامته، منذ أن غاب صاحبها، ثم رفيقة دربه. هاجر ولداه إلى بلدان أخرى، فيما بقيت السيارة في مكانها مثل نصب تذكاري يؤكد فضيلة مثقف لم يساوم يوماً، في مواقفه الشجاعة. سيارة حملت على كتفيها معظم مُبدعي البلد، في نهاية سهرة صاخبة، أو إثر أمسية أدبية، أو في زيارة إلى مدينة أخرى. سلحفاة حمراء تعاند وعورة الطريق، وطول المسافة. بغيابه تراكم الغبار فوق سيارته، وباتت بعجلات مثقوبة، كأنها نسخة أخرى من صورة البلاد في ظل حرب لم يشهدها صاحب رواية «"أعدائي». ولكن مهلاً، ألم ينبهنا إلى ما سوف يحدث؟ كتابه الأخير «حيونة الإنسان» كان معجماً نفيساً، في تشريح الكارثة المقبلة، كما لو أنه يستعرض شريطاً عن وقائع مؤجّلة لا يحتاج الكشف عنها إلى عدسة مكبّرة، أو خبراء موارد بشرية في الوحشية والسفاهة والتشبيح. رحل ممدوح عدوان ولم يتخلَّ عن سيارته الحمراء المتهالكة، تاركاً شوارع دمشق للسيّارات الفخمة التي يقودها بقوة دفع الكراسي الوثيرة للمناصب، أنصاف وأرباع مثقفين، أفرزتهم الكارثة التي سبق وحذّر مبدعنا الراحل، من قرب قدوم غيومها الحالكة.