لا تملك جماعة آل سعود علاقة ود مع أهل الصحافة. تُعاملهم كأعداء مفترضين ينبغي كسرهم أو ترويضهم بالمال. لقد كشفت وثائق «ويكليكيس السعودية» هشاشة تلك الجماعة وعدم قدرتها على تحمّل أن يُنشر عنها تقرير واحد في موقع الكتروني يشتغل من منطقة مجهولة في القارة الأفريقية. في بلاد مالي مثالاً، دعمت سفارة آل سعود جميع الصحف الصادرة هناك بأموال تأتي على هيئة اشتراكات ثابتة.
إنهم يخشون نشر مقال واحد ضد «مملكة الخوف» في تلك البلاد البعيدة المجهولة.
أمّا في اليمن، فقد اختصرت المملكة طريقها حين اشترت نقابة الصحافيين اليمنيين بأعضاء مجلس النقابة نفسها عبر أموال وهبات وبطاقات سفر وحواسيب ودعوات للحج والعُمرة. وكانت النتيجة ـــ من باب ردّ الفضل لأهله ـــ قيام تلك النقابة (تقيم اليوم في الرياض) بتكريم السفير السعودي في صنعاء وقتها (2009) علي بن محمد الحمدان، وتسليمه درع الصحافة اليمنية. وكانت فضيحة يومها أن تقوم نقابة بتكريم سفير بلاد لا تؤمن بوجود نقابات، ولا حتى بوجود صحافة مستقلة من الأساس.
لكن بما أنّ للمال تأثيره على كثيرين، فكيف الحال مع «بي. بي. سي. عربي» بعدما عمدت الهيئة البريطانية في الآونة الأخيرة إلى تركيز عدستها على المشهد السعودي وحكاياه المخفية! آل سعود أذكى من تكرار الشيء نفسه مع امبراطورية إعلامية ضخمة. إنها ليست نقابة الصحافيين في اليمن ولا جريدة في مالي. لا يمكن شراء أصحابها بدعوة للحج أو العُمرة أو بساعات مُذهبة كما فعل السفير السعودي في القاهرة مع كبار أهل الصحافة القومية هناك. لا بد من وسيلة أُخرى إذاً.
إثر عرض الجزء الأول من السلسلة الوثائقية «أمراء آل سعود المخطوفون» مساء الثلاثاء الماضي على شاشة «بي. بي. سي. عربي»، اندلعت موجة غضب في رأس الكبار في المملكة حيث لا بد من إيجاد وسيلة لمنع الهيئة البريطانية في الذهاب أبعد (يُعرض الجزء الثاني من الوثائقي مساء اليوم). العرض تزامن مع السماح لعدسة «بي. بي. سي» بالدخول إلى منطقة العوّامية في منطقة القطيف ذات الغالبية الشيعية، كسبق صحافي (الأخبار 17/8/2017)، ونقل الصورة من هناك. وهكذا كان. فهل بدأت جماعة آل سعود تفهم قواعد اللعبة بعيداً عن استخدام قوّة المال؟! في العوامية، اكتفت عدسة «بي. بي. سي» بالقبض على القصة من منتصفها.

اختفى سعود بن سيف
النصر بعدما كان يكتب
تغريدات تنتقد النظام
نقلت رأي الطرفين، المعتدون والضحايا. قالت إن ما تم من جرف للمنطقة (ظهرت في الصور الملتفزة كأن قنبلة ضخمة سقطت عليها، فلم يعد التمييز ممكناً بين تفاصيل البيوت التي كانت مقيمة عليها)، إنما هو عملية تهدف لتطوير البنية التحتية للمنطقة وفقاً للسلطات السعودية! أمّا الصوت المعبر عن الأهالي، فقال إن المسألة هدفت إلى تهجير السكّان الأصليين. وقال الصوت نفسه وقد عمدت عدسة القناة لحجب صورته وقد هرب من القطيف وصار مقيماً في ألمانيا: «فقط لأنك شيعي سيكون مصيرك الإعدام».
من نقطة الهروب هذه، يمكن إعادة التنويه لفكرة «أمراء آل سعود المخطوفون» والقاعدة التي قامت عليها السلسلة الوثائقية التي حققها رضا الملاوي، وتابع خيوطها في أكثر من بلد أوروبي حيث يتوزع أمراء من السعودية وقد هربوا من بلادهم. إن ملاحقة الأصوات المُعارضة لم تعد مرتبطة ببقاء الصوت السعودي المُعارض في بلده، بل صارت الأيادي القابضة تلاحقه حيثما هرب والتجأ.
على هذا سنلاحق تلك الحكايات المؤلمة لناشطين من العائلة المالكة، على اختلاف درجة قرابتهم للرأس الحاكمة، وقد صاروا ملاحقين في بلاد اللجوء.
بدايةً من الأمير سلطان تركي بن عبد العزيز الذي ما انفك ينتقد سلوك العائلة المالكة من محل إقامته في جنيف. طلب منه عبد العزيز بن فهد، الولد الأقرب للملك الراحل فهد، أن يعود إلى المملكة. أخبره «إن النزاع الناشئ عن انتقاده للقيادة السعودية سُيحل هناك (في الرياض)». لكن فجأة، ظهر سلطان مُخدّراً في مطار جنيف، ليُنقل عبر طائرة طبيّة كانت في الانتظار. لقد تم اختطافه ليطير نحو معتقل معتم في الرياض. «ما الذي يُمكن أن يكون الأمير سلطان قد قام به وجعل عائلته تُخدّره بعنف وتختطفه؟» يسأل رضا الملاوي.
في سياق الوثائقي نفسه، تأتي قصة الأمير تركي بن بدر آل سعود، الذي كان مسؤولاً في جهاز الأمن الخاص بالعائلة، لكن الأمر انتهى بسجنه إثر نزاع حول إرث. هرب إلى باريس، ومن هناك بدأ في بث مقاطع على اليوتيوب داعياً عبرها لإصلاحات في «مملكة القهر». حاولوا اقناعه بالعودة. حين لم يقتنع، جاء صوت على الهاتف يقول له: «يا بن العاهرة، سنسحبك إلى بلدك مثل سلطان بن تركي»، ثم اختفى بعدها. ثالثاً، جاء الدور على سعود بن سيف النصر ليجد المصير نفسه. اختفى. لقد كان يكتب فقط تغريدات تنتقد آل سعود في حين بقى الوحيد، على قيد الحياة، الأمير خالد بن فرحان آل سعود. وهو الذي قال في ختام الجزء الأول من الوثائقي إنه «يخشى من أنه سيجبر أيضاً على العودة إلى الرياض». وأضاف: «كنا أربعة أمراء في أوروبا. انتقدنا الأسرة المالكة وحكمها في السعودية. اختطف ثلاثة منا. أنا الوحيد المتبقي الذي لم يخطف»... فكيف سيكون الحال معه؟!

«أمراء آل سعود المخطوفون»: اليوم 00:05 بتوقيت غرينتش على «بي. بي. سي. عربي»