من قلب معاناة النساء المصريات من عدم المساواة ومختلف أنواع التمييز، وُلدت «بنت المصاروة» رسمياً في الأوّل من حزيران (يونيو) 2015. لا يمكن وصف هذه التجربة بالفنية البحتة، لأنّ أبعادها وأهدافها الاجتماعية أهم وأكبر من أغانيها وموسيقاها.
إنّها مجموعة تحلم بمجتمع مصري «مبدع يحمل في وجدانه ذاكرة موسيقية وقصصية لتجارب مغايرة تعبّرعن اختلاف الخيارات، وترسّخ للمساواة، ولا تأسر الأفراد، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، في أدوار اجتماعية محدّدة». هذا ما تؤكده الفرقة المؤلفة من الشابات: مارينا سمير (22 عاماً)، وإسراء صالح (28 عاماً) المجازة في الحقوق وتعمل إحدى شركات القطاع الخاص، ومريم سمير (19 عاماً) الطالبة في «المعهد العالي للموسيقى»، إضافة إلى المنسّقة ميريت عبد المولى (22 عاماً) التي تتابع دروسها في السياسة والاقتصاد أيضاً. اللقاء الأوّل بين الفتيات كان خلال ورشة كتابة إبداعية نظّمتها «مؤسسة نظرة للدراسات النسوية» في تموز (يوليو) 2014، تمّت خلالها كتابة أغاني تتناول التمييز الذي تتعرّض له النساء في المجتمع، قبل اختيار ستّ أغنيات فقط وضمّها إلى ألبوم بعنوان «بنت المصاروة». والأغنيات هي: «قولوا لأبوها»، و«إنت الكامل»، و«مُرَّة مَرَار»، و«فهّمونا زمان»، و«حرب كبيرة»، و«حريتي». بعدها، قرّرت الفتيات الأربع (إضافة إلى صبية خامسة انسحبت في آذار (مارس) الماضي) أن يتحوّل عنوان الألبوم إلى اسم الفرقة التي ستجمعهن. تعمل هذه المجموعة على خلق مساحات فنية بديلة في مصر، تعزّز من روح التضامن، وتسمح للنساء والرجال على اختلافاتهم ــ خصوصاً في المناطق الأكثر تهميشاً ــ بالتعبير عن مشكلاتهم الذي ساهم في خلقها التمييز المبني على النوع الاجتماعي، إضافة إلى «توثيقها هذه العقبات ونشرها من خلال منتجات موسيقية ومسرحية، تسهم في خلق حراك ثقافي فني يدعم التقبّل المجتمعي للتفرّد والاختيار الحر»، وفق ما تذكر عبر صفحتها الرسمية على فايسبوك. وترمي «بنت المصاروة» من خلال التوثيق إلى إتاحة التجارب أمام «الباحثين/ات والمهتمين بقضايا النوع الاجتماعي».

حملة دعم جماعي لتمويل ألبومها الثاني «مزغونة»



بعد البداية في 2015، أطلقت المجموعة مشروع «بنت المصاروة في الصعيد» الذي جال بين آب (أغسطس) 2016 وشباط (فبراير) 2017 على ثلاث قرى في محافظات المنيا وأسوان وأسيوط، حيث شاركت فيه 34 سيّدة تكلمن عن مشاكل تعترضهن يومياً ومتعلّقة بنوعهن الاجتماعي. أثمرت الأحاديث الصريحة عن كتابة 18 أغنية (تلعب إسراء صالح دوراً أساسياً في وضع الكلمات)، تقرّر ضم عشر منها في الألبوم الثاني بعنوان «مزغونة»، الاسم القديم لقرية «أبو غرير» في المنيا، نقطة انطلاق المغامرة في الصعيد. ولدى السؤال عن معنى هذه الكلمة، أجابت الصعيديات بأنّ لا تفسير محدّداً لها لكنّها غالباً ما ترمز إلى المرأة المقيّدة والمغلوب على أمرها أو «المسجونة». هذا الشرح، ولّد شعوراً لدى صبايا «بنت المصاروة» بأنّ الكلمة «مناسبة جداً للتجربة ككل وتحاكي جوهرها»، حسب ما قالت مارينا سمير، وهي المديرة التنفيذية للفرقة، في إتصال مع «الأخبار».
وبما أنّ كلفة إنتاج الألبوم تفوق المقدرات المالية لعضوات «بنت المصاروة»، أطلقت الأخيرة حملة تمويل جماعي (crowdfunding) عبر موقع Indiegogo، تنتهي في 17 أيلول (سبتمبر) المقبل، طالبةً من المؤمنين في أهدافها والراغبين في دعمها من مساندتها مادياً، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال مشاركة هاشتاغي: #ساعدونا_نغني و#FeministsSinging (نسويات تغنّي).
وإلى جانب تمويل الألبوم المرتقب، توضح سمير أنّ جزءاً من المبلغ المجموع سيستثمر في «تطوير أدواتنا ومهاراتنا لإنتاج الموسيقى الخاصة بأغنياتها بأنفسنا. فاللجوء إلى منتجين موسيقيين يُفقد الأعمال بعضاً من هويتها، لأنّهم ليسوا جزءاً من التجربة من البداية. نريد لتصوّرنا لها أن يكون كاملاً». هنا، تلفت طالبة السياسة والاقتصاد إلى أنّ «بنت المصاروة» لا تعتمد أسلوباً ولوناً موسيقياً محدّداً: «أحياناً نفضّل الشرقي وأحياناً أخرى نتجه نجو الغربي، فكل أغنية تفرض روحها وطريقة العمل عليها وسياقها والستايل الخاص بها».
أما عن التجاوب مع الحملة والمشروع ككل، فتؤكد مارينا أنّه «جيّد جداً حتى الساعة، إذ جمعنا حتى الآن حوالى 22 في المئة من كلفة المحدّدة بـ 12 ألف دولار أميركي».
لا تدّعي «بنت المصاروة» الاحتراف العالي والتفوّق الفني، لكنّها بالتأكيد ترغب في خلق واقع جديد في المحروسة، يختلف عن السائد، إن على صعيد الأغنيات التجاربة أو تلك المنتمية إلى عالم الـ «أندرغراوند». فالأولى مليئة بـ «الأفكار النمطية والذكورية والأبوية حول المرأة، ناهيك عن الصور الساعية دائماً إلى تسليعها»، بينما لا يمكن اعتبار الثانية «حسّاسة جندرياً بما فيه الكفاية، على الرغم من أنّها وُلدت فعلياً بعد ثورة يناير 2011 في ظل أفكار التغيير وكسر المفاهيم البالية على مختلف الأصعدة». وفي هذا السياق، تشدّد مارينا سمير على أنّ الإنتاج الموسيقي والفنّي بالنسبة لـ «بنت المصاروة» يعتبر «ركناً محورياً في عملية تغزيز الوعي الاجتماعي!».