عمم مصرف لبنان، أمس، على جميع المصارف والمؤسسات المالية أن بإمكانها "أن تستفيد من تسهيلات بالليرة اللبنانية بفائدة 2٪، في مقابل إيداعات بالدولار طويلة الأجل لدى مصرف لبنان (الحد الأدنى لاستحقاقها 5 سنوات)، بشرط أن تُستخدم في شراء سندات خزينة بالليرة من السوق الأولية أو الثانوية".
الترجمة العملية لهذا التعميم تعني أن كل مصرف يودع أو يجدد ودائع بالدولار (100 مليون دولار مثلاً) لدى مصرف لبنان، بإمكانه أن يستفيد في المقابل من قرض بالليرة من مصرف لبنان بالقيمة نفسها (150 مليار ليرة مثلاً) بفائدة 2% فقط، ومن ثم يعيد توظيف هذا القرض في سندات الخزينة الصادرة عن وزارة المال (الدين العام) بفائدة 7% تقريباً.
بهذه الآلية، سيحقق المصرف المشارك في العملية الجديدة ربحاً مزدوجاً، الأول من الفائدة على ودائعه بالدولار لدى مصرف لبنان، والثاني من فارق الفائدة على القرض بالليرة بعد إعادة توظيفه في سندات الخزينة، أي أن المصرف سيحقق ربحاً قد يصل الى أكثر من 12% (تبعاً للاستحقاقات) على كل دولار يودعه أو يجدد إيداعه لدى مصرف لبنان!

وزير المال غير موافق

عملياً، نحن أمام "هندسة مالية" جديدة يطلقها مصرف لبنان، كما فعل بين حزيران وكانون الأول من العام الماضي، والتي وصلت كلفتها الى أكثر من 5.6 مليارات دولار كأرباح استثنائية فورية، حققتها المصارف بالإضافة الى كبار المودعين.

العملية الجديدة تهدف إلى التغطية على القرار المتعلق ببنك البحر المتوسط


ليس معروفاً بعد حجم العملية الجديدة وكلفتها، إلا أن رد الفعل الأول جاء من وزير المال علي حسن خليل، الذي صرّح لـ"الأخبار" بأنه لن يقبل استعمال سندات الخزينة الصادرة عن وزارة المال في منتج مركّب يصدره مصرف لبنان، وقال إن "مصرف لبنان لم ينسّق هذه العملية مع وزارة المال، ولم يجر أي بحث بينهما لإصدار هذا المنتج، وبالتالي، فإن وزارة المال غير معنية بأي التزامات قد يرتّبها مصرف لبنان لجهة إصدار سندات الخزينة بالليرة تتجاوز برنامج المزادات الدورية المعتمد لتأمين حاجاتها لتمويل عجز الموازنة العامة".

تعميم المكرمة على الجميع؟

عملياً، يأتي هذا التعميم مصاحباً للضجّة الكبيرة التي أثارها قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان في جلسته الأخيرة (17 آب 2017)، والقاضي بمنح بنك البحر المتوسط تسليفات استثنائية بقيمة 1000 مليار ليرة، تدرّ عليه عائداً سنوياً إضافياً بقيمة 60 مليار ليرة. وبعدما ظهرت اعتراضات كثيرة على هذا القرار، من جانب مسؤولين في الدولة ومن مصارف عدّة، ما جعل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتصرف بارتباك ودفعه الى محاولة طمس القرار وتمييع أهدافه الحقيقية، ولا سيما أنه ينطوي على تحميل جميع اللبنانيين كلفة خسائر المساهم الأكبر في بنك البحر المتوسط، رئيس الحكومة سعد الحريري، المحققة خارج لبنان: في السعودية وتركيا وجنوب أفريقيا تحديداً.
وكانت "الأخبار" قد كشفت الأسبوع الماضي عن مراسلة من بنك البحر المتوسط الى حاكم مصرف لبنان، عبر كتاب مؤرخ في 18/7/2017، يطلب فيه الحصول على 400 مليون دولار من مصرف لبنان كأرباح استثنائية إضافية. وبرر طلبه بحاجته الى تغطية «التسهيلات والقروض الممنوحة لبعض عملاء المصرف، والتي تتطلب تكوين مؤونات بشكل تدريجي خلال فترة عشر سنوات». واقترح البنك على حاكم مصرف لبنان آلية محددة لمنحه هذه الأرباح، «بصورة استثنائية»، عبر استبدال «الاحتياطي الإلزامي بالدولار الأميركي لمدة 10 سنوات بشهادات إيداع مصدرة من مصرف لبنان». وأرفق البنك طلبه بلائحة تضم 5 مدينين كبار متعثرين، كلّهم مرتبطون بشكل أو بآخر بالحريري، هم: شركة OTAS التركية، مجموعة من المقاولين من الباطن لدى شركة «سعودي أوجيه»، شركة AGE، شركة BEATA وشركة CELL C في جنوب أفريقيا.
ومع أن المجلس المركزي لمصرف لبنان رفض الآلية المقترحة من بنك البحر المتوسط، إلا أنه لبى الطلب عبر منح بنك البحر المتوسط تسليفات استثنائية بالليرة بفائدة منخفضة ليعيد توظيفها في شهادات إيداع يصدرها مصرف لبنان بفائدة مرتفعة، وبالتالي يحقق الربح الذي يسعى إليه.
بحسب مصادر مصرفية مطلعة، فإن التعميم الجديد لمصرف لبنان يهدف الى التغطية على قراره المتعلق ببنك البحر المتوسط، وتصويره كأنه جزء من عملية أوسع تفرضها السياسة النقدية المعتمدة منذ زمن بعيد، ولا سيما أن ميزان المدفوعات عاد الى تسجيل عجوزات شهرية متتالية، بلغت قيمتها التراكمية في النصف الأول من هذا العام نحو مليار و115.6 مليون دولار، وذلك بعد فائض تراكمي ظرفي تحقق في العام الماضي، لأول مرّة منذ عام 2010.