القاهرة | يوقن الترزي الشاب باقتراب الموت، ويقرر، في متجره الصغير الذي سجن نفسه فيه خوفاً من «الحرب» في الخارج، أن يسجل بصوته ذكريات أيامه الأخيرة على شريط كاسيت، ليعرّف والده ــ أو من يعثر على الشريط - بما جرى له. المشكلة أن ليس بحوزته شريط كاسيت فارغ.
بين يديه ثلاثة شرائط يحوي كل منها تسجيلاً مختلفاً: الأول أغنية لأم كلثوم، يسجّل عليها الشاب (يقوم بدوره النجم أحمد حلمي) رسالته الأولى. الشريطان الآخران أحدهما لسورة قرآنية، والآخر عليه خطاب للرئيس مبارك. ينظر الشاب إلى الشريطين بحيرة، ثم يقرر سريعاً أن يسجل على شريط القرآن: «ربنا بيسامح، إنما دول ما بيسامحوش»!
ربما لم تكن الرقابة المصرية ـــ قبل الثورة أو بعدها ـــ لتوافق على المشهد السابق الذي يسجّل فيه البطل صوته على شريط قرآني. غير أن فيلم «18 يوم» الذي يحكي ـــ عبر 10 أفلام قصيرة متلاحقة - مشاهد وحكايات متفرقة من «ثورة يناير» المصرية، لم يعرض على أي رقابة. ومنذ إنتاجه قبل 6 سنوات، لم يطل عبر أي شاشة مصرية كبيرة أو صغيرة. لقد ظل الفيلم يحمل لقب «فيلم 18 يناير الممنوع من العرض»، في الوقت الذي أكدت فيه الرقابة مراراً أنه لم يعرض عليها. لكن نظرة ولو سريعة إلى أحداث الفيلم، ومعرفة عابرة «بقيم» الرقابة في مصر، كانت لتؤكد أنه لم يكن ليمر، بدون مذبحة رقابية على الأقل. حتى إنّ أحمد حلمي نفسه، المشارك بدور الترزي في الفيلم القصير «كحك الثورة» (قصته وبطولته وإخراج خالد مرعي) قام بحذف رابط الفيلم من حسابه على انستغرام، بسبب شكاوى «الآباء والأمهات» من «بعض الألفاظ» في الفيلم.
حَذَف حلمي رابط الفيلم الذي كاد أن يصبح منسياً لولا ظهوره المفاجئ قبل حوالى الشهر على موقع يوتيوب. كاد الفيلم يصير منسياً لأن الثورة نفسها بدت أحياناً منسية. غير أنّ طوفاناً من المشاهدات، تجاوز المليون في الساعات الأولى لرفع الفيلم على يوتيوب، جعل الكل يراجع حساباته. اليوم، بعد شهر تقريباً من رفع الفيلم، تجاوزت المشاهدات رقم الأربعة ملايين. رقم كبير جداً لمادة فيلمية مدتها ساعتان. للمقارنة، فإن آخر أفلام حلمي نفسه، أي «لف ودوران» أمام دنيا سمير غانم، لم تتجاوز مشاهداته على يوتيوب النصف مليون مشاهدة خلال المدة نفسها، بين تموز (يوليو) وآب (أغسطس).

حرية في اللغة السينمائية و«الألفاظ» المستخدمة

ليست نداءات الحرية و«إسقاط النظام» التي يعج بها ـــ أو كان يعج بها ـــ الفيلم هي ما يعكس أجواء الحرية التي عاشها صناعه، والبلاد برمتها في تلك الأيام الواعدة من عام 2011، وإنما وراء الأحداث السياسية في الفيلم، حرية أكبر في اللغة السينمائية و«الألفاظ» المستخدمة التي أزعجت الآباء والأمهات بعد ذلك بست سنوات، فضلاً عن حرية التعاطي مع المقّدس، لا في تسجيل البطل رسالته فوق الشريط القرآني فحسب، بل في فيلم «خلقة ربنا» (قصة بلال فضل)، حين تقرر فتاة بسيطة (تلعب دورها ناهد السباعي) أن تصبغ شعرها باللون الأصفر، رغم تحذير الشيخ في التلفاز ممن «يغيّرون في خلقة ربنا»، لكنها تتجاهل التحذير لأنّ «كل الناس بتصبغ، ده الريّس نفسه بيصبغ». وحين تتورط بالمصادفة في مسيرة ثورية، ويأخذها الحماس فلا تعود مجرد متورطة، تتلقى ضربة دموية تسقطها أرضاً. وبينما تتلقى ضربات المخبرين، لا يشغلها لحظة الموت سوى الخوف من أن لا يسامحها الله لأنها صبغت شعرها وغيّرت من «خلقة ربنا». «كنت عايزة يبقى شكلي حلو عشان اتجوز، سامحني يا رب، عديهالي» تقول أُثناء تلقيها الركلات القاسية.
في «19/19» (إخراج مروان حامد عن قصة عباس أبو الحسن)، يمتزج اللفظ «الخارج» بالجريمة الأمنية، في أحد أكثر الأفلام العشرة سوداوية. يقول المخبر (باسم سمرة) للمعتقل (عمرو واكد): «هاتتعب معانا شوية، عايزين اسمك، واسم أمك، وأبوك، واخواتك، ونسوانهم، واعمامك، وعماتك وخالاتك وولاد عمك، ونسوانهم، يعني كل عرص له صلة دم بيك». بعد سلسلة من الإهانات، يسأل المخبر المعتقل فجأة: «إنت متوضي؟». يجيب المعتقل: «لا». يواصل المخبر: «مش عايز تصلي؟». يجيب المعتقل: «متشكر». يرد المخبر: «يا بن العرص!».
لبلال فضل قصة أخرى بين الأفلام العشرة هي «إن جالك الطوفان» من إخراج محمد علي، عن البيزنس البائس لبيع الأعلام للجماهير التي تعادي بعضها البعض، بينما يكتب المخرج شريف البنداري قصة فيلمه «حظر تجول» عن طفل تجبره الظروف على المبيت في الشارع مع جده أثناء حظر التجوال. في «2-2» لمريم أبو عوف (وقصتها أيضاً) وبطولة آسر ياسين وهند صبري، زاويتان لمعالجة أحداث «موقعة الجمل» حين شنّ أنصار مبارك هجوماً على المعتصمين في التحرير، ويخرج ويؤلف أحمد عبد الله فيلم «شباك» لأحمد الفيشاوي عن شاب لا يهتم سوى بمراقبة فتاة عبر النافذة، بينما الفتاة نفسها تهتم للثورة والتغيير. ويقدم يسري نصر الله «داخلي خارجي» من بطولة يسرا ومنى زكي وآسر ياسين، والقصة لتامر حبيب، حيث يختلف زوجان على المشاركة في الثورة. ويقدم شريف عرفة «احتباس» من قصته، حيث تندلع الثورة وتراقبها مجموعة من المحتجزين في مستشفى الأمراض العقلية. أما «أشرف سبرتو» للمخرج أحمد علاء وتأليف ناصر عبد الرحمن، ففيه يتحول أشرف (محمد فراج) من حلاق بسيط، إلى بطل ثوري، في احتفاء كاد ينسى أيضاً، بدور «العاديين» في حسم الثورة وعزل الرئيس.