يكفي أن تتابع التعليقات الواردة على الصفحات الخاصة بالمغنية اللبنانية أمل حجازي، حيث أعلنت اعتزالها الفن والالتزام بالحجاب، لتكتشف حجم الانحطاط الفكري الذي وصل إليه العالم العربي. ربما تصحّ المقولة التهكّمية الساخرة هنا «داخل كلّ منا داعشي صغير» طالما أن حشداً كبيراً من المعجبين بالمغنية يعتبرون أن الفنّ فسق، وأن قرار الحجاب نصر رباني كبير، ويصطّفون تباعاً للدعاء لها بالثبات.
يتوافدون بالنصح كي تحذف صورة (البروفايل) وتستبدلها بوردة ريثما تجهز صورها بالزي المؤمن والحجاب! المشهد بما فيه من تمسّك بالمظاهر، وقولبة الدين والعلاقة مع الله بطريقة برانية بعيدة عن الجوهر، يحيلنا مباشرة نحو صورة معادلة لم يمرّ عليها سوى بضع ساعات وهي لنجم النفاق عمرو خالد. الداعية الذي حصّل منذ إطلالاته الأولى مرتبة ممثل رديء. رغم أنه ظلّ نجماً بربطة عنق تقليدية، ووصلة دعاء يمكن لمشاهد عابر أن يلمس حجم الرياء فيها، إرتفع عنه الغطاء فأطلّ يوم عرفة من العتبات المقدسة، ليدعو إلى جمهور السوشال ميديا، عسى ذلك ينقذ ما تهاوى من شعبيته. ربما لو خصّ «الحاجة أمل» بخصلة دعاء حميدة، لاكتمل المشهد الذي يُعيدنا إلى ظهر الناقة، وللسؤال الأحجية حول القدم التي يجب أن ندخل بها إلى الحمّام؟ «التوبة» المسيجة بحالة بروباغندا واضحة، من خلال الخطبة العصماء التي أطلقتها حجازي عبر صفحاتها على مواقع التواصل، وقالت فيها بما معناه أنها كانت مشتتة بين ما تقدمه وبين الصوت الإلهي الذي كان يدعوها إلى ملكوته، إلى أن قررت يوم عرفة أن تنال السعادة بمفهومها العميق وبطريقة تجافي الدنيوية، وتتخطّى عتبة الملموس. مع رشّة بهارات تمثّلت في جملة عبّرت فيها ظاهرياً عن احترامها لجزء من الفنّ وأهله. كل ذلك يدعو إلى أسئلة حول نظرة بعض مغنيات هذا الزمن لما يقدّمنه، وحالة الاحتقار الواضح لمفهوم الغناء أصلاً، طالما أنه فعل لا بد أن تلزمه توبة ولو بعد حين!