ثمة أمراض شائعة «تستوطن» الجسد لفترات طويلة، بحيث يصير إيقاع الحياة مرتبطاً بها. هي أمراض يشبه وجودها في الجسد وجود الحيوان الأليف في المنزل، الذي عليك أن تهتم به كي لا يغدر بك. غالباً، ما تكون هذه الأمراض أليفة، ولكنها في لحظة حظٍّ غير مواتية قد تستحيل سرطاناً قاتلاً، تماماً كما هي متلازمة «القولون العصبي». فقد تعيش معك لسنواتٍ طويلة، ولكن إن لم تحسن تسيير الحياة على إيقاعها، فقد تستحيل نوعاً خطراً من أنواع السرطان التي تصيب جهازك الهضمي.
بعيداً عن سوء الحظ الذي قد يسوق إلى الموت، ثمة ما يجب التوقف عنده لدى الحديث عن تلك المتلازمة، وهي أعداد المصابين بها. فبحسب إحصاءات قامت بها الجمعية اللبنانية لأمراض الجهاز الهضمي، تبلغ نسبة الإصابة بالقولون العصبي 20%، أي بمعدّل شخص واحد من أصل 5 أشخاص. وهي نسبة مرتفعة جداً، تمنح معها تلك المتلازمة صفة «الشيوع». فما هو هذا المرض؟ وما هي أعراضه؟ وكيف يُشَخَّص؟ وماذا عن العلاج؟

القولون المتهيّج: عتبة الألم

من بين الأمراض الوظيفية التي قد تصيب الجهاز الهضمي، تحتل متلازمة القولون العصبي صفة «المرض الأكثر شيوعاً». تلك التي «تتميز» بتناقضين، وهي أن المصاب بها يمكن أن يشعر بتفاقم الأعراض حيناً وبهدوئها حيناً آخر، الأمر الذي يصعّب عملية تشخيص الحالة.

ما هي هذه المتلازمة؟

في الحالة الطبيعية، عندما ينزل الطعام إلى المعدة، تتكفّل العضلات داخل الأمعاء بتحريكه والدفع به من المعدة إلى المستقيم. خلال هذه المرحلة، تتمدّد هذه العضلات وتتقلّص بانتظام كي تدير عملية الهضم، الأمر الذي يؤدي إلى تسهيل عملية تقدم الطعام في فترات زمنية محددة. ولكن، في بعض الحالات، قد يحصل تشنج في عضلات الأمعاء لدى بعض الأشخاص، فيؤدي إلى حالة من التقلص لمدة أطول من العادة، الأمر الذي يسبّب الألم ويضرّ حركة الطعام داخل الأمعاء. وغالباً ما يحدث الاضطراب في حركة العضلات نتيجة اضطراب في الأعصاب، مؤدياً إلى الحساسية المفرطة في الجهاز الهضمي. هذا الاضطراب يؤدي إلى إحدى النتيجتين: إما البطء في حركة الأمعاء لدى بعض الأشخاص، ما يؤدي إلى الإمساك، أو الزيادة في تلك الحركة، بما يؤدي إلى الإسهال.

تصيب المتلازمة الإناث ضعف
ما تصيب الذكور

ومن الشائع لدى مرضى متلازمة القولون العصبي أن يعانوا من حالات الإسهال والإمساك المتعاقبة والمتقلبة. وقد تبدأ هذه الأعراض بشكل بسيط يمكن التعايش معها، ولكن قد يسوء الوضع في الكثير من الحالات، وتظهر أعراض شديدة مؤلمة نفسياً وجسدياً.

الأعراض

تختلف أعراض الإصابة بالقولون العصبي من شخصٍ إلى آخر تبعاً للاضطراب الذي يصيب الجهاز الهضمي، ولكن في الغالب، ثمة أعراض متشابهة تنذر بمدى حدّته، هي:
ـ حدوث آلام مزمنة في البطن
ـ إسهال مزمن
ـ إمساك مزمن
ـ إسهال وإمساك بالتناوب
ـ غازات وانتفاخ
وقد اتضح في السنوات الأخيرة من خلال بعض الدراسات أن نحو 17% من حالات القولون العصبي بدأت بعدوى بكتيرية حادة في الأمعاء. ولدى هؤلاء المرضى، تصبح الأعراض مزمنة.

التشخيص

خلال العقد الماضي، وُضعت بعض المؤشرات التي تساعد على تشخيص القولون العصبي، وقد أطلق عليها اسم «مؤشرات روما»، وهي تتضمن مجموعة «أعراض نموذجية»، حُدِّدَت تبعاً لفحوص أساسية، مثل فحوص الدم والبراز. وقد تتوسع دائرة تلك الفحوص في حال انعدام الدلائل المرضية أو العلامات التحذيرية، لتشمل مثلاً فحوص الحمى أو فقر الدم أو تلك التي تستهدف تبيان أسباب الهبوط الحاد في الوزن. وغالباً ما يجري تأكيد التشخيص بنسبة تصل إلى 98%.
قد يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة القولون العصبي، في بعض الأحيان أيضاً من اضطرابات وظيفية في أجهزة الجسم الأخرى، مثل آلام المفاصل والعضلات (الألم العضلي الليفي) واضطرابات النوم، إضافة إلى متلازمة التعب المزمن.

علاج القولون العصبي

برغم شيوع هذا المرض، إلا أن «مهمة» معالجته هي مهمة مركبة ومعقدة، وهذه حالة غالبية الأمراض الوظيفية التي تصيب الأمعاء. أما السبب، فهو عدم وجود آلية واحدة مسببة لمتلازمة القولون العصبي، وهذا ما يجعل إمكانية وجود دواء واحد مستحيلة. وقد استُثمرَ الكثير من الجهد، ولا يزال، في محاولة لإيجاد دواء يخفف من معاناة مرضى القولون العصبي ويخفف من أعراض القولون العصبي، دون تحقيق نجاح حتى الآن. مع ذلك، يمكن الاستعانة بجملة علاجات «نفسية»، وذلك لارتباط مرض القولون العصبي في بعض الحالات بالضغط والتوتر، ومنها المعالجة الاسترخائية والتنويم الإيحائي الطبي والارتجاع البيولوجي وغيرها من العلاجات.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]