بدأ الموسم الدراسي وبدأت معه التجهيزات. من الكتب إلى القرطاسية إلى الزي المدرسي. التحضيرات تسري على قدمٍ وساق من أجل بداية موفقة. برغم كل تلك الترتيبات، ثمة ما ينقص من الجعبة: التحضير الجيد للوقاية من بعض الأمراض التي تصاحب العودة إلى المدرسة.
غالباً ما يفوت الأهالي التحضير لمواجهة هذا "البند" الذي تعدّ المدرسة مكاناً خصباً لانتشاره. هناك، حيث يساهم اكتظاظ الطلاب على تكوّنه وانتشاره بسرعة فائقة. أما ما هي مكونات هذا البند؟ أي ما هي الأمراض التي يبدأ انتشارها من المدرسة؟ بغض النظر عن الدراسات العلمية، يمكن اللجوء هنا إلى التجارب التي تثبت أن أكثر الأمراض التي تحدث في المدارس هي "الجديري المائي"، وإن كان يمكن الحديث هنا عن أنواع أمراض أخرى ـ كالقمل والجرب وغيرها ـ تتنوع ما بين الأمراض الفيروسية والفطرية والطفيلية.
ولئن كان من المفيد الإشارة هنا إلى أن المدرسة ليست بيئة حاضنة للأمراض، إلا أنها المكان الخصب الذي يساعد على زيادة الإصابات بتلك الأمراض من خلال الاندماج في الفصول الدراسية. ويمكن اعتبار ذلك نتيجة طبيعية بسبب وجود الأطفال في مجموعات كبيرة بها يتعرضون خلالها لعدد من مسببات المرض من جراثيم وغيرها من مقومات العدوى.

يطال الجديري المائي جميع
الأعمار إلا أن 90% من الإصابة به تكون
أقل من 10 سنوات.

تلك "المقومات" التي تترجم إصابات في الجلد والعيون والأنف والأذن والحنجرة وغيرها من أعضاء الجسم الصغير، الذي لا يتحمل الكثير من تلك الأمراض. ولهذا، فإن تدريب الأطفال على بعض وسائل الوقاية يعد من أهم الأدوات التي تحد من الإصابة ببعض تلك الأمراض التي تنتشر بين الصغار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن درجة الإصابة بها تختلف من طفلٍ إلى آخر تبعاً لعاملين: أولهما قوة العدوى وثانيهما تناوله للتطعيمات.
مع ذلك، يبقى الجديري المائي هو الأكثر انتشاراً بين طلاب المدارس، وهو من الأمراض الفيروسية التي تنتقل بسرعة داخل التجمعات. فما هو هذا المرض؟ وكيف يمكن تشخيصه؟ والعلاج منه؟ والأهم من ذلك كله، كيف يمكن الوقاية منه؟
الجديري المائي: مرض فيروسي
يتصف مرض الجديري المائي بأنه الأكثر انتشاراً والأسرع عدوى. هذا ما "يتمتّع" به المرض التلوثي الذي يسبّبه فيروس يدعى "فيروس الجديري" (variola virus)، والذي يبدأ بظهور بثور على الجسم تنتشر بسرعة، خلال ثلاثة أيام كحدٍّ أقصى. أما الأقسى من ذلك، فهو أنه معدٍ وينتشر مباشرة من طفل لآخر عن طريق ملامسة جلد المريض أو عن طريق الرذاذ المتطاير أو الفيروسات المحمولة بالجو.
أما في ما يخصّ فترة حضانة المرض، وهي التي نعني بها ما بين دخول الفيروس الجسم حتى ظهور أولى الأعراض المرضية، فتقع بين 10 و20 يوماً وبمتوسط أربعة عشر يوماً.
ولهذا، قد تمر أولى أعراض المرض من دون أن تلاحظ ويصبح الطفل معدياً قبل 24 ساعة فقط من ظهور الطفح الجلدي وبعدها بسبعة أيام وحتى سقوط آخر "قشرة".

الحرارة أولى الأعراض

ارتقاع درجة حرارة الجسم، هي أولى أعراض الجديري الأولية. يضاف إليها الشعور بالتعب والإحساس بأوجاع في الظهر والرأس. عادة، 24 إلى 48 ساعة، قبل ظهور الطفح الجلدي والذي يبدأ إجمالاً من الوجه، قبل أن ينتقل إلى المنطقة العليا من الذراعين ثم ينتشر بعد ذلك في أنحاء الجسم كافة.
يتكون الطفح الجلدي على شكل فقاقيع تتحول بعد ساعات قليلة الى "حويصلات" تحتوي على سائل شفاف (Vericler) يجعلها كأنها حبات صغيرة حمراء اللون تظهر على الجسم كله تقريباً ولكنها تتركز بصفة خاصة في الوجه والجذع.
خلال 24 إلى 48 ساعة، يتحول السائل الشفاف في الحويصلات الى لون عكر ثم تبدأ جدران الحويصلات في التيبس فتعلوها قشور يميل لونها الى اللون الاسود، وهذه القشور تسقط بعد بضعة أيام وتترك حيزاً جلدياً صغيراً لونه أبيض مائل للحمرة ويختفي هذا الاثر بعد ذلك.
مع ذلك، لا يختفي الطفح الجلدي دفعة واحدة من على الجلد، ولكنها عملية تحدث على ثلاثة أو أربعة أيام دون ان تكون هناك حدود زمنية واضحة تفصل بين نهاية مرحلة وبداية التي تليها، لذلك نلاحظ على الجلد وجود ثلاث مراحل في الوقت نفسه وإن كانت مختلفة التطور والمراحل وهي: طفح. حويصلات. قشور.

أعلى مرحلة عمرية التقاطاً للعدوى
تقع ما بين 5 إلى 10 سنوات


في حالة الإصابة بمرض الجديري المائي، يكثر "الهرش" لدرجة قد لا يستطيع معها الطفل أن ينام اثناء الليل، الأمر الذي يسبب تلوث الحويصلات. وقد يؤدي هذا الأمر في نهاية المطاف إلى ترك آثار أو علامات مستدامة وظاهرة، لذلك يجب على الوالدين أن يراقبا طفلهما بعناية في هذه الحالة.
بعد ذلك، تأتي فترة النقاهة وتتميز بانفصال القشور الأخيرة وتساقطها. ويمكن تسهيل هذه العملية بعمل حمامات الماء الدافئ للطفل.

فحص الدم ضرورة

إذا شك الطبيب بوجود مرض الجدري، فإنه يوجه المريض إلى إجراء فحص للدم للتحقق من تشخيص الحالة. ولكن، عند التأكد من تفشي فيروس مرض الجدري، يستطيع الطبيب المعالج تأكيد التشخيص، من دون الحاجة إلى إجراء أي فحص مخبري. وهنا، يفحص الطبيب الطفح الجلدي ويوجه للمريض بعض الأسئلة حول الأعراض وحول احتمال تعرضه للفيروس.
اللقاح علاج ووقاية
إلى اليوم، لا يوجد دواء لمعالجة مرض الجديري المائي. ولذلك، لا يزال العلاج يرتكز على شرب السوائل بكمية كافية وتناول الأدوية الخافضة للحرارة من أجل موازنة درجة حرارة الجسم وتسكين الأوجاع. كذلك، يمكن اللجوء إلى حمامات الماء الدافئ باستمرار، للتخفيف من حدّة "الهرش" (الحكّة)، كما يمكن استعمال بعض المرطبات على الجلد.
وثمة من يدعو هنا الأمهات إلى ترك أطفالهن من دون ملابس قدر الإمكان، وأن تقوم بقص أظافره حتى تمنع ظهور أي مضاعفات قد تنتج عن الهرش.
بعيداً عن ذلك، غالباً ما يطوّر الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس مرض الجديري مناعتهم له. مع ذلك، هذا لا يكفي للتخلص من مخاطر الإصابة مجدداً، ولذلك، ثمة باب آخر للوقاية وهو تناول اللقاحات اللازمة. وهنا، تجدر الإشارة إلى توفّر لقاح ضد فيروس الجديري. ففي حال تلقي شخص ما اللقاح قبل أن يصاب بالفيروس، فهو بذلك يحصل على الحماية التي تدوم ما بين 3 إلى 5 سنوات. وإذا تلقى الشخص لقاحاً إضافياً آخر في وقت لاحق، فإنه يحصل على حماية لفترة أطول. يوفر اللقاح الحماية حتى إذا لم يحصل عليه المريض قبل إصابته بالعدوى. يحصل غالبية الأشخاص على اللقاح خلال ثلاثة أيام من لحظة التعرض للفيروس فلا تظهر لديهم أية أعراض للمرض، وإذا ظهرت فإنها تكون طفيفة. كما أن تلقي اللقاح خلال 4 إلى 7 أيام من لحظة الإصابة بالفيروس قد يكون مفيداً أيضاً.
ويشار إلى أن التعطيم يعطى للأطفال دون سن 12 عاماً جرعة واحدة تحت الجلد. ويتكون من فيروس مضعف ويعطى من الشهر التاسع من عمر الطفل ويعطي مناعة مدى الحياة.
في حين يلزم البالغون بجرعة ثانية.

ماذا عن المضاعفات المحتملة؟

يعدّ مرض الجديري مرض بسيط، ونادراً ما يحدث مضاعفات. أما إذا ما حدثت مضاعفات، فغالباً ما تكون ناتجة من نشاط البكتيريا كإصابة ثانوية. وهنا، تكون خطورتها أشد من عدوى الفيروس نفسه.
وقد تصيب هذه المضاعفات الأذن أو تصيب ملتحمة العين أو الشعب الهوائية، وقد تشمل:
ـ التورم في الأغشية المبطنة للحنجرة، فيحدث صوت صرير وضيق في التنفس.
ـ الالتهاب في عضلة القلب والأغشية المبطنة لها والمغلفة لها.
ـ التهاب الكبد الفيروس.
ـ التهاب الكلى والتي تظهر من خلال البول المدمم.
ـ التهاب المفاصل
ـ التهاب المخ، والذي قد يحدث بعض التشنجات أو الشلل أو الغيبوبة.
وعليه، تستوجب هذه المضاعفات التدخل السريع للطبيب للعلاج وإنقاذ المريض.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]