لا يكفي أن يهوى المرء الموسيقى الكلاسيكية ولا حتى الميل تحديداً إلى الباخ. لا يكفي ــ إن توفّر الميل إلى باخ ــ الإعجاب بـ «تنويعات غولدبرغ» أكثر من سواها من أعمال المعلّم الألماني. كل ذلك، لا يكفي أن يتوفّر ــ كلياً أو جزئياً ــ لدى هواة النوع لكي يهمّهم الإصدار الذي نحن بصدده في هذه السطور. أفرجت شركة «سوني» عن كنز موجّهٍ حصراً إلى من وقعوا بحب أسطورة البيانو، الكندي الراحل غلن غولد (1932 ــ 1982).
فمَن قد تهمّه نحو خمس ساعات بالصوت دون الصورة (أوّل خمس أسطوانات من الإصدار) من جولات التسجيل المتقطّع التي يتخلّلها توقّف عن العزف، ثم استهلال، ثمّ توقّف فنقاش، ثم متابعة، ثم توقّف تليه ملاحظة أو مزاح، ثم إعادة؟ مَن غير المهووسين بغولد؟ من قد يرى فائدة ويجد متعة في الاستماع إلى التحضيرات التي سبقت بلوغ النتيجة النهائية المُرْضِية (الأسطوانة السابعة في العلبة) لخلق أحد أهم الديسكات في تاريخ الديسكوغرافيا الكلاسيكية، ذاك الذي يحوي «تنويعات غولدبرغ» لباخ بأنامل غولد البالغ من العمر 23 سنة عام 1955؟ فبعد أكثر من ستة عقود على دخول غولد إلى استديوات «كولومبيا ركوردز» لتنفيذ أوّل وثيقة مسجّلة له في مسيرته التي انتهت بوفاته عام 1982، ها هو الناشر العريق يُخرِج إلى العلن الرواية الكاملة أو «كل ما حدث» أثناء التسجيل في تلك الأيام بين 10 و16 حزيران (يونيو) 1955: الإعادات التي لا تنتهي، الأحاديث المتبادلة من على ضفّتَي الزجاج العازل بين غولد ومهندس الصوت، ومنتج التسجيل، إلخ… إلى ذلك يحوي الإصدار التاريخي/التأريخي، الحديث الذي أعطاه غولد لتيم بايج حول العمل والتسجيل (الأسطوانة السادسة / وهو حديث شهير وصادر من قبل) وديسك فينيل (180 غرام) للتسجيل النهائي، على اعتبار أن الموضة التي غزت العالم في السنوات الأخيرة على صعيد إحياء ديسكات الفينيل تفرض هذه اللفتة (علماً أن تسجيل الاستوديو الثاني لـ”تنويعات غولدبرغ“ الذي أنجزه غولد عام 1981 صدر أيضاً أخيراً على ديسك فينيل عند «سوني»).
هذا لناحية الموسيقى، أو المادة الصوتية عموماً. من ناحية أخرى، يضم الإصدار الجميل بوستراً لغلن غولد (حجم 90 × 60 سنتم) وكتاباً ضخماً (280 صفحة) فيه كنوزٌ فوتوغرافية (صور منشورة وأخرى غير منشورة من جلسات التسجيل) بالإضافة إلى المدونة الموسيقية الكاملة لتحفة باخ ودراسات تناولت غولد وغير ذلك من الوثائق التي تخص هذه المحطة المفصلية التي طبعت تاريخ صناعة الديسكات في القرن العشرين.