أثمر النشاط الديبلوماسي لمسؤولي الدول الضامنة الثلاث أمس على طاولة الجولة السادسة من محادثات أستانا. الاتفاق حول منطقة «تخفيف التصعيد» الجديدة في إدلب، بدا لفترة طويلة أمراً أعقد من أن يتحقق، غير أن تقاطعات تلك الدول الإقليمية وموقعها من الملف السوري، أفرز تفاهماً واضحاً عنوانه غير المعلن «عزل المعارضة عن الإرهابيين».
الاتفاق القاضي بالتفاهم على وقف لإطلاق النار بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة المسلحة على اختلافاتها الكبيرة، تضمن نشر قوات مراقبة روسية وإيرانية وتركية، تتولى مسؤولية المراقبة والأمن وإدارة تنفيذ باقي تفاصيل الاتفاق. وأعلن عنه في بيان ختامي لجولة المحادثات، تضمن الخطوط العريضة التي تم إقرارها، والتي أكدت أن إنشاء مناطق «تخفيف التصعيد» المقرّة في المنطقة الجنوبية وغوطة دمشق الشرقية وريف حمص الشمالي وإدلب، هو إجراء مؤقت يستمر لستة أشهر قابلة للتمديد على أساس الإجماع بين الدول الضامنة، مشددة على أن إنشاء هذه المناطق لا يؤثر على سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية.
وتم الاتفاق على إنشاء مركز تنسيق ثلاثي مشترك (روسي ــ إيراني ــ تركي)، مهمته متابعة نشاط قوات المراقبة، التي يفترض أن تنتشر على أساس خرائط تم الاتفاق عليها في الثامن من الشهر الجاري في أنقرة. كذلك نصّ على محاربة تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» وكل المجموعات والكيانات المرتبطة بالتنظيمين، خارج وداخل مناطق «تخفيف التصعيد». وتضمن البيان الختامي إشارة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لبناء الثقة، بينها إطلاق سراح المحتجزين وتحديد مصير المفقودين، بما يسمح بتهيئة الظروف لنجاح وقف إطلاق النار والوصول إلى العملية السياسية. وأشارت المعلومات إلى نجاح المشاركين في التوافق على الوثائق المقدمة ضمن المحادثات، باستثناء قضية المختطفين والمحتجزين، التي بقيت موضع خلاف، مع اعتراضات ساقها الوفد الحكومي على بعض تفاصيلها، على أن يتم العمل عليها لبتّها خلال الاجتماع المقبل المرتقب أواخر تشرين الأول.

بدت تركيا أكثر المتفائلين بالاتفاق الذي تمّ التوصل إليه

ورغم بقاء تفاصيل الانتشار وآلية توزيع المراقبين خارج نطاق التداول الإعلامي، كشفت صحيفة «يني شفق» التركية أن القوات العسكرية التركية التي ستشارك في ضمان أمن منطقة «تخفيف التصعيد» في إدلب، سوف تعبر من منطقتي يايلاداغي ​​والريحانية، وسوف تدخل ما بين 35 و50 كيلومتراً في إدلب ضمن العملية التي ستنطلق في هذا الشهر. وأوضحت أن الخريطة المتفق عليها تقسّم المنطقة إلى ثلاثة أقسام، على أن تتولى القوات التركية بالتعاون مع «الجيش الحر» مسؤولية المنطقة الغربية المحاذية للواء إسكندورن (إقليم هاتاي)، والتي تمتد على عرض 35 كيلومتراً (على الأقل) وبطول يصل إلى 130 كيلومتراً. وأشارت إلى أن عديد القوات المشاركة في العملية من قبل تركيا و«الجيش الحر» قد يصل إلى 25 ألفاً، مضيفة أن من بين المناطق التي ستسيطر عليها تلك القوات دارة عزة ومطار تفتناز العسكري وجبل الأربعين وجسر الشغور وأريحا ومعرة النعمان وخان شيخون.
وبناءً على التصور الذي نشرته الصحيفة، سوف تدخل تلك القوات في مناطق تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، وتتمتع فيها بالنفوذ الأقوى. وهو ما قد يقود إلى اشتباكات عنيفة في تلك المناطق، في حال بقيت «الهيئة» بعيدة عن العروض التركية السابقة بحل نفسها والقبول بإدارة مدنية في إدلب.
وبدت تركيا أكثر المتفائلين بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، لا سيما أنها حاولت مراراً إدخال قواتها إلى محافظة إدلب بذرائع عديدة. وقالت وزارة الخارجية التركية، أمس، إن أنقرة لعبت دوراً حاسماً في إعلان منطقة «تخفيف التصعيد» في إدلب، بصفتها ضامنة للمعارضة المسلحة. بدوره، رأى رئيس الوفد الروسي إلى أستانا، ألكسندر لافرنتييف، أن هذا الاتفاق «يفتح الطريق أمام وقف إطلاق النار بشكل كامل في سوريا». وأضاف أن «من المهم التوصل إلى ضم الجزء البنّاء من المعارضة السورية لمحاربة الإرهاب»، داعياً المعارضة إلى «التخلي عن المطالب التي لا يمكن تنفيذها». أما مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، فرأى أنه «تم في أستانا فصل المجموعات الإرهابية عن المعارضة المسلحة التي تحاول أن تكون جزءاً من الحل السياسي». وقال إن «الدول الضامنة، بعد المشاورات، ستدعو عدداً من الدول للانضمام إلى عملية أستانا بصفة مراقبين». ومن ناحيته، أعرب المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن ترحيبه بالاتفاق، وعن أسفه لعدم حل مسألة المعتقلين. وشدد على أنه «ليس هناك حل عسكري، ولا أحد يريد الحرب... لذا يجب الاستفادة من دفعة أستانا».
ورأى رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري أن حكومات الدول الضامنة التي وقّعت الاتفاق «معنية بالحفاظ على سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية»، معتبراً أن هذا البيان «امتحان لكل الجهات التي ما زالت تراهن على استخدام الإرهاب كسلاح سياسي للضغط على الحكومة». وقال إن «أيّ وجود عسكري لقوات أجنبية فوق الأراضي السورية هو وجود غير شرعي من منظور القانون الدولي»، موضحاً أن «الالتزام بالحفاظ على سيادة واستقلال سوريا ووحدة أراضيها... كلام سياسي ينبغي أن يطبّق عملياً على الأرض من قبل الحكومة التركية وغيرها ممن ترسل قوات بشكل غير شرعي». وتابع أنه «بموجب البيان الختامي، فإنّ من المفروض الآن على تركيا ومجموعات المعارضة المسلحة التي حضرت هذا الاجتماع ووافقت عليه، أن تحارب الإرهاب جنباً إلى جنب مع الجيش السوري ومع الحلفاء والأصدقاء».
(الأخبار)