تحوّل ثقل العمليات العسكرية في محافظة دير الزور إلى أطراف ريفها الجنوبي في المناطق المحيطة ببلدة حميمة وامتدادها شرقاً نحو محطة «T2»، بعدما نجحت واشنطن وموسكو في كبح جماح التوتر بين القوات التي تتنافس على استعادة حقول النفط والغاز والبلدات على ضفة الفرات الشرقية. الجيش الذي بادر قبل أيام إلى تسخين جبهة البادية والتقدم نحو البوكمال، استمر أيضاً في الضغط على تنظيم «داعش» على أطراف مدينة دير الزور الشمالية والشرقية.
وركز استهدافاته المدفعية والجوية على مواقع التنظيم في حويجة صكر (شرق) وبلدة الحسينية على الجانب الآخر من الفرات (شمال)، إلى جانب عدد من أحياء المدينة كالحويقة والعرضي.
بدورها، استكملت «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة من قوات أميركية خاصة، تحركها في محيط بلدة الصور على نهر الخابور، في محاولة لتأمين مواقعها داخل البلدة، وتثبيت خطوط دفاعية تمنع أي هجمات مضادة لتنظيم «داعش». وتحدثت مواقع كردية متابعة للعمليات عن وصول تعزيزات عسكرية إلى جبهات ريف دير الزور الشمالي، لتوسيع نطاق العمليات على طول وادي الخابور، خلال الأيام المقبلة.

«الوحدات» الكردية:
نريد إنشاء نظام فيدرالي والبقاء
ضمن سوريا

وفي موازاة الهدوء على الأرض، كان لافتاً تأكيد موسكو لاستمرار الاتصالات مع الجانب الأميركي برغم التوتر الأخير الذي رافق إعلان «قسد» عن تعرض مواقعها في محيط شركة غاز «كونيكو» ومعمل النسيج في ريف دير الزور الشمالي القريب، لقصف جوي روسي. التأكيدات الروسية التي جاءت على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، لم تغفل الإشارة إلى أن الجانب الأميركي لم يقدم أي توضيحات حول المواقع العسكرية التي يشغلها وحلفاءه في «قسد» ضمن مناطق سيطرة «داعش».
ويبدو أن سلسلة الاتهام بالتواطؤ والتنسيق مع «داعش» انتقلت بدورها إلى الجانب الآخر، مع اتهامات وجهتها القيادية في «قسد» روجدا فلات، إلى الجانب الحكومي، بتسهيل تسلل أعداد من مقاتلي «داعش» من مناطق سيطرته باتجاه أطراف مدينة الرقة الشرقية. وأوضحت فلات أن «أكثر من 100 مرتزق من (داعش) هاجموا مواقع (قسد) مساء (أول من) أمس، بعد أن تنكروا بزي (قسد) واستقلوا عربات مشابهة ورفعوا أعلامها». ورأت أن هذا الهجوم «مؤامرة من قبل النظام السوري»، مضيفة أن «28 مقاتلاً (من قسد) ارتقوا إلى مرتبة الشهادة... خلال إفشال الهجوم الذي كان يستهدف فك الحصار عن المرتزقة المحاصرين في المشفى الوطني في الرقة».
وفي تصريحات يمكن عدّها «الأوضح» تجاه الرؤية الكردية لطبيعة العلاقة مع دمشق وحلفائها في الميدان والسياسة، أشار القائد الميداني الأبرز لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية، شاهين جيلو (المعروف باسم مظلوم كوباني)، في مقابلة مع الصحافية التركية آمبرین زمان ــ نشرها موقع «المونيتور» باللغة الانكليزية ــ إلى أن قواته لا تريد الاشتباك مع القوات الحكومية السورية، ولكنها «مستعدة للدفاع عن نفسها»، موضحاً أن الأكراد لا يسعون إلى الانفصال في الشمال السوري، بل «إنشاء نظام فيدرالي والبقاء ضمن سوريا». وأكد أن «هدفنا الأساسي هو التفاوض مع الحكومة المركزية والحصول على وضع معين للمناطق التي حررناها. وإذا لزم الأمر، فإننا مستعدون للدخول في حوار مع الحكومة المركزية بشأن هذا الموضوع». ورأى أن الجانب الأميركي مستعد للدفاع عن «قسد» في حال تعرضها لهجوم من قبل الجيش السوري وحلفائه، موضحاً أن واشنطن «وعدت بالدفاع عنا. و(عندما هاجمتنا قوات النظام) في الطبقة، فعلت ذلك. وأسقطوا طائرة تابعة للنظام».
وحول تفاصيل العمليات المرتقبة في دير الزور واحتمال التوجه نحو البوكمال، قال جيلو إن القوات «ستتقدم بقدر ما تستطيع»، مضيفاً أن «هناك توازناً حساساً (في المنطقة)... بوجود خطط من قبل النظام السوري وحزب الله والميليشيات الإيرانية من جهة، ووعدنا للسكان المحليين بتحريرهم من جهة أخرى». ورأى أنّ من المتوقع أن يكون هناك «تفاهم عند نقطة (زمنية) معينة» يضمن عدم الاشتباك.
وأكد أن قواته تتطلع إلى بقاء الوجود الأميركي في مناطق سيطرتها، موضحاً أن «على الولايات المتحدة الانخراط أكثر لدعم الأكراد وجميع السوريين، لكونها تتحمل مسؤولية كما روسيا والمجتمع الدولي... ولمنع نشوب حرب أهلية مستقبلية، يجب العمل على تحقيق الاستقرار». وحول موقفه من فكرة «تغيير النظام»، شدد على أن «المطلوب من وجهة نظرنا، هو تشكيل حكومة تمثل بشكل حقيقي كل السوريين»، لافتاً إلى أن «النظام حقيقة واقعة. وحقق من الناحية العسكرية انتصاراً على المعارضة ــ من غيرنا. وبالنظر إلى الأمور بموضوعية فإن النظام باقٍ». أما عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد واحتمال رحيله عن السلطة، رأى أنه «لا يوجد أي إشارة إلى أنه في طريقه للمغادرة في الوقت الحاضر».
وعن الوضع المستجد في منطقة إدلب، قال إن «لدى النظام خططاً تعطي أولوية لإدلب في المستقبل القريب. وهو يريد تأمين وقف إطلاق النار هناك حتى يتمكن وحلفاءه من شن الهجوم في دير الزور بالقوة الكاملة. وهذا ما نجحوا فيه إلى حد ما».
وفي سياق متصل، يرتفع منسوب التوتر في منطقة «تخفيف التصعيد» المتفق عليها في إدلب، بالتوازي مع لقاء مرتقب اليوم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في أنقرة. اللقاء الذي ستحتل إدلب حصة بارزة من نقاشاته، ولا سيما مسألة نشر قوات تركية داخلها، يأتي مع استمرار الغارات الروسية التي تستهدف مختلف مناطق المحافظة ومحيطها. وبينما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس، أنها قتلت 37 مسلحاً من «هيئة تحرير الشام» بينهم خمسة قياديين، كثفت الجماعات المسلحة من استهدافها للمناطق المتاخمة لمنطقة إدلب، وكذلك لبلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين في ريف إدلب الشمالي.
(الأخبار)