برعاية وزير الثقافة اللبناني وبقيادة المايسترو هاروت فازليان (الصورة)، تعود «الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية» من عطلتها الصيفية لتفتتح، الليلة، موسم الموسيقى الأوركسترالية 2017 ــ 2018 بأمسية «غريبة» بعض الشيء، ممتعة لا شك، و«صعبة» على الأوركسترا بالمعنى الأدائي والتقني للكلمة.
استثنائياً، تقع أمسية الافتتاح يوم خميس، على أن تنتظم المواعيد التالية، بدءاً من الأسبوع المقبل، مساء كل يوم جمعة كما جرت العادة (على البرنامج الأمسية المقبلة السمفونية رقم 1، لغوستاف مالر).
أشرنا إلى غرابة ما في الأمسية، وذلك لسبب محدّد يتعلّق بأحد الأعمال المدرجة في البرنامج: عمل من فئة الكونشرتو للمؤلف الأوسترالي المعاصر شون أوبُويْل (1963). الغرابة في العمل هو أنّه فريد من نوعه في التاريخ. إذ، يعرف الجميع الأشكال الرائجة في مجال الكونشرتو وهي (بالترتيب بدءاً من الأكثر رواجاً): كونشرتو البيانو، أو الكمان، أو التشيلّو، أو الكلارينت، أو الفلوت، أو الأوبوا، أو الهورن الفرنسي، إلخ… كذلك، يعرف المطّلعون الجدّيون، تلك غير الرائجة وهي: كونشرتو الترومبت، أو الباسون، أو الفيولاّ، أو المندولين، أو الكونترباص، إلخ… وأخيراً، يجد الباحثون المتعمّقون بعد الأشكال غير المألوفة إطلاقاً، مثل كونشرتو الهارمونيكا، وهناك واحد للسويسري كريستيان غافيّيه (1960) وآخر للإنكليزي مالكولم أرنولد (وربما لغيرهما؟)، أو كونشرتو السوبرانو (ونقصد الصوت البشري) الذي نجده عند المؤلف الروسي ــ الألماني راينهولد غليير (وربما غيره؟)، أو كونشرتو الدرامز (نجده عندالفرنسي داريوس ميلو)، أو كونشرتو الماريمبا الذي نجده، على الأقل عند مؤلفَين اثنَين، هما: البرازيلي ناي روزاورو (1952) والياباني أكيرا ميوشي (1933 — 2013)، إلخ…
معظم هذه الأشكال النادرة في فئة الكونشرتو موجودة بتسجيل واحد فقط، ويؤديها تحديداً عازف كُتِبَت له خصّيصاً (وبالأخص الأعمال المعاصرة). إذاً، كل هذه النماذج التي تناولناها آنفاً لا تضاهي في غرابة تركيبتها الفريدة الكونشرتو المُدرج في أمسية الأوركسترا الوطنية الليلة. فالعمل هو للـ… ديدجيريدو والأوركسترا! كتبه شون أوبُويْل لعازف الديدجيريدو الأوّل في العام، الأوسترالي (من السكان الأصليين) ويليام بارتون (1981) الذي سجّله وأداه مراراً في عزف حيّ. الآلة غير المألوفة هذه هي من الأقدم في التاريخ: آلة نفخ صنعها (ويعزفها لغاية اليوم) سكان أوستراليا الأصليون قبل أكثر من 1500 سنة. نبرتها وإمكاناتها الصوتية تحاكي الطبيعة بطبيعة الحال، ولهذا السبب تحمل الحركات الأربعة التي يتألف منها الكونشرتو الذي سنسمعه الليلة العناوين التالية: الأرض، والريح، والمياه والنار.
في الأمسية عملان آخران، واحد منهما يبدو أنّه لم يُختَر بالصدفة، وهو قصيدة سمفونية للبلجيكي ــ الفرنسي الرومنيطيقي سيزار فرانك بعنوان ”الصيّاد الملعون“، التي يتزامن اختيارها لافتتاح أمسية افتتاح موسم الأوركسترا مع افتتاح موسم الصيد البرّي في لبنان والضجّة الدائرة حول القانون الجديد. وبالمناسبة، القصيدة السمفونية هذه، مستوحاة لناحية خلفيتها وتوجّها التعبيري، من عمل أدبي خرافي تقوم فكرته على اللعنة التي تقع على صياد ذهب إلى الصيد في «يوم الرب» (الأحد). العمل الثاني هو قصيدة سمفونية أيضاً، تختتم الأمسية، وهي «فرانتشيسكا دا ريميني» الشهيرة للروسي تشايكوفسكي. هذه المقطوعة الشديدة الصعوبة، والتي تبلغ مدّتها حوالي 25 دقيقة، يمكن الركون إليها، بضمير مرتاح، لقول التالي: إن ضاهى أداء الأوركسترا الوطنية لهذا العمل (أو حتى اقترب من) أي تسجيل يحمل توقيع «أوركسترا لينينغراد الفلهارمونية» بقيادة يفغيني مرافينسكي، يمكن للحكومة اللبنانية أن تعلن رسمياً أنه بات لدينا واحدة من أهم ثلاث أوركسترات في العالم… ونقطة على السطر!