القاهرة | تدخل معركة اختيار المدير العام الجديد لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة «اليونسكو» اليوم، مرحلة الحسم مع بداية الانتخابات التي تجرى عبر الاقتراع السري المباشر بين المجلس التنفيذي الذي يضم 58 دولة حول العالم، على أن يتولى المدير العام الجديد منصبه منتصف الشهر المقبل خلفاً لإيرينا بوكوفا. المسؤولة البلغارية كانت قد انتزعت المنصب في اللحظات الأخيرة عام 2009 بعد منافسة حامية مع وزير الثقافة المصري آنذاك فاروق حسني، لتظل في منصب المدير العام لمدة دورتين وتكون أول سيدة تتولى منصب المدير العام للمنظمة الأممية.
ويتنافس على المنصب ثمانية مرشحين بشكل أساسي، أبرزهم وزيرة الثقافة والاتصال في الحكومة الفرنسية أودري أزولاي، وهي المرة الأولى التي ترشح فيها فرنسا ــ وهي دولة المقر ــ شخصاً لهذا المنصب، بالإضافة إلى مستشار أمير قطر للشؤون الثقافية ووزير الثقافة السابق حمد عبد العزيز الكواري، والمرشحة المصرية مشيرة خطاب، بالإضافة إلى المرشحة اللبنانية فيرا خوري التي تعمل في «اليونسكو» منذ عشرين عاماً تقريباً.
ورفض لبنان الانسحاب لمصلحة المرشحة المصرية، فيما قبل العراق سحب مرشحه بعد تنازل مصر عن منافسة وزير العمل العراقي على رئاسة منظمة العمل العربية، فيما لم تحسم الجامعة العربية دعم مرشح محدد لوجود أكثر من مرشح عربي. وقد حصلت المرشحة المصرية على دعم المجموعة الأفريقية بالإجماع في القمة التي عقدت العام الماضي في رواندا.
وقادت القاهرة مفاوضات دبلوماسية مع جميع الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي للمنظمة للحصول على موافقتهم حول مرشحتها. مفاوضات وجولات دبلوماسية بدأت قبل أكثر من 16 شهراً، لم تكن فيها خطّاب بمفردها، إذ كانت أجهزة الدولة المصرية كافة مُسخَّرة لها، فيما تولّى مهمة إدارة حملتها الانتخابية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي مدعوماً بعلاقاته في أوروبا لكونه شغل منصب سفير مصر في برلين لسنوات.

أكد شكري أن «التاريخ لا يباع» في إشارة إلى أموال الدوحة

تراهن الدبلوماسية المصرية على فوز مشيرة خطاب وسط حشد مصري ربما لم يكن متوفراً في حملة فاروق حسني، مستفيدةً من أخطاء الماضي، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتكتلات داخل المنظمة، ما وضع المرشحة المصرية نظرياً في الموقع الأقرب إلى المنصب باعتبارها صاحبة أعلى تأييد معلن من الدول الأعضاء، ولكونها مرشحة تكتل أفريقي لم ينل المنصب من قبل في تاريخ المنظمة، وخصوصاً أن الدول الأفريقية باتت لديها رغبة في تولي المناصب الأممية، وكان آخرها تولي إثيوبيا منصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية قبل شهور قليلة.
غير أن اقتراب مصر من تولّي المنصب لا يخلو من علامات الاستفهام، وخصوصاً مع سجل الحكومة الحالية في التضييق على المرافق الثقافية عبر إقفال المكتبات العامة في الأشهر الأخيرة، ما يترك آثاراً سلبية على صورة مصر لدى المنظمة الدولية.
كذلك، تتخوف القاهرة من «المال القطري»، وهو ما أكده وزير الخارجية سامح شكري الموجود في باريس منذ نهاية الأسبوع الماضي دعماً لخطّاب. شكري الذي تطرق في اجتماعه مع نظيره الفرنسي إلى ضرورة التوافق حول المرشحة المصرية، الأمر الذي لم يلق ترحيباً من فرنسا، أكد أن «التاريخ لا يُباع» في إشارة إلى أحاديث يقولها مسؤولون هناك عن «عروض قطرية سخية للدول الأعضاء من أجل دعم المرشح القطري والحصول على تأييده».
وانتقد شكري بصورة قوية الدوحة وتصرفاتها في تصريحات للتلفزيون الفرنسي ولقاءات عديدة أجراها، منها في حفل استقبال للمندوبين الأفارقة في المنظمة، مؤكداً أن الوعود بضخ مزيد من الأموال في حال فوز المرشح القطري ليست جديرة بالثقة لأن المناصب الدولية لا يتم بيعها لما وصفها بـ«الدول الصغيرة».
ولا يخفي الدبلوماسيون المصريون تخوفهم من التصويت عبر الاقتراع السري المباشر واحتمال اتخاذ مندوبي بعض الدول مواقف مغايرة للمواقف الرسمية المعلنة بحثاً عن مصالح خاصة، لكن تبقى جولات خطّاب ولقاءاتها المتعددة في المنظمة هي الداعم الأكبر لها.