عاد الجيش السوري وحلفاؤه إلى التقدم في عدد من الأحياء الغربية ضمن مدينة الميادين، بعد يومين من صدّ هجمات عنيفة حاول تنظيم «داعش» عبرها حماية وجوده في واحد من أهم معاقله في الشرق السوري. ويعدّ التقدم الأخير للجيش، المدعوم بتغطية جوية مكثفة تطال غالبية مواقع «داعش» في محيط كل من دير الزور والميادين، خطوةً متقدمة نحو حصار المدينة وعزلها بالكامل.
فالعمليات التي امتدت إلى جنوب المدينة وصلت طريق الإمداد الرئيس للتنظيم من الشرق، وفرضت سيطرة نارية عليه. كذلك فإن المدخل الشمالي الغربي للمدينة أصبح في قبضة الجيش، وهو ما يعني عزلها عن محيط بلدة مو حسن، وحصار «داعش» في المناطق المحصورة بين طريق دير الزور ــ الميادين ونهر الفرات. وأفضت عمليات الجيش أمس على هذا المحور إلى سيطرته على منطقة البلعوم ودوار البلعوم وحي البلوط وأجزاء من حي الصناعة، إلى جانب شركة منطقة الطيبة ومدرستها جنوبي المدينة. ومن المتوقع أن يتمكن الجيش، في حال نجاح تحركه المنسّق على محورين، من حصار المدينة واستنزاف مسلحي التنظيم فيها، كما يجري في دير الزور. وبالتوازي، استكملت العمليات على الضفة الشمالية (الشرقية) لنهر الفرات مقابل دير الزور، وأفضت إلى تقدم الجيش شرق بلدة خشام، وفي محيط جسر السياسية من جهة بلدة حطلة. ويأتي ذلك في وقت نشّط فيه الجيش جبهات أحياء المدينة المشتركة مع التنظيم، في محاولة لتعميق الضغط عليه من 3 محاور.
ومن غير المتوقع أن تؤثر عمليات الجيش داخل مدينتين من أكبر مدن الشرق على زخم التحرك على جبهات الريف الشرقي، خاصة أن «التحالف الدولي» يوسّع سيطرته على طول وادي نهر الخابور، ويمكنه عبور النهر نحو أبرز حقول النفط في سوريا، وهو حقل العمر. التحرك نحو المناطق الغنية بالنفط يعدّ أولوية واضحة لدى كل من دمشق وحلفائها من جهة وواشنطن وقواتها من جهة أخرى. وجاء حديث وزير الخارجية وليد المعلم، أمس في موسكو، ليعلن موقف دمشق الواضح تجاه هذه النقطة.

شكك المعلم
في توافق التحركات التركية مع اتفاقات «أستانا»

فقد رأى أن «الأكراد اليوم يتنافسون مع الجيش السوري على المناطق النفطية»، مضيفاً أنهم في الوقت نفسه يدركون أن «سوريا لن تسمح لأي شخص بانتهاك سيادة الدولة تحت أي ظرف من الظروف». وقال إن «الأكراد منتشون اليوم بالدعم والمساعدة الأميركية... ولكن من المفهوم والمؤكد أن هذا لن يدوم إلى الأبد»، لافتاً إلى أنه «على طول تاريخ المشكلة الكردية القائمة منذ أكثر من مئة عام، لم يكن لدى الأكراد أبداً أيّ قوة رئيسية تعتبر حليفهم الموثوق».
لغة دمشق العالية اللهجة تجاه الأكراد جاءت بعد فترة قصيرة من إعلانها الصريح عن استعدادها لحل الخلافات معهم عبر الحوار. ومن الممكن قراءة خروجها من موسكو كرسالة مفادها أن الجانب الروسي مستعد للعب دور حاسم في حل هذا الخلاف، عبر دعمه دمشق في الميدان أو كوسيط على طاولة المفاوضات. ويبدو لافتاً أن تلك التصريحات أتت بعد فترة من الهدوء بين الجيش السوري و«قوات سوريا الديموقراطية» على الضفة الشرقية من نهر الفرات، قبل أن تتقدم «قسد» منذ يومين نحو مناطق قريبة من ملتقى الخابور والفرات، وغير بعيد عن أطراف الحقول النفطية شرق الخابور.
وترافقت تلك التطورات مع استمرار التوتر بين واشنطن وموسكو حول العمليات في الشرق السوري، إذ جددت موسكو اتهامها للقوات الأميركية في التنف بتسهيل دخول 300 مسلح من «داعش» لشنّ هجوم على طريق تدمر ــ دير الزور، عبر مناطق نفوذها. وكشفت وزارة الدفاع الروسية أن ما يقرب من 600 مسلح آخرين غادروا منطقة مخيم الركبان على الحدود الأردنية واتجهوا بشكل منظّم نحو نقطة عبور حدودية محاذية لبلدة طفس في ريف درعا الغربي، ليدخلوا منطقة «تخفيف التصعيد» بالتزامن مع عبور قافلتي مساعدات. وأشارت إلى أن تلك المساعدات التي نقلت من التنف وصلت مناطق تنشط فيها «جبهة النصرة» بشكل رئيس، موضحاً أن موسكو تتوقع «محاولة لعرقلة السلام والاستقرار في منطقة تخفيف التصعيد (الرابعة) في الجنوب السوري، وسوف يتحمّل الجانب الأميركي كامل المسؤولية عن ذلك».
وعلى الجانب الآخر في الشمال، أفادت عدة مواقع معارضة بأن وفداً عسكرياً تركياً دخل مجدداً الأراضي السورية عبر منطقة أطمة، وصولاً إلى أطراف جبل الشيخ عقيل، المحاذية لمنطقة عفرين. وأشارت بعض تلك المواقع إلى أن «حركة نور الدين زنكي» رفضت دخول الوفد إلى منطقة الجبل بصحبة مسلحي «هيئة تحرير الشام»، واشترطت انسحاب هؤلاء المسلحين ودخول أفراد الوفد التركي فقط، مضيفة أن الوفد عاد من غير دخول تلك المنطقة نحو بلدة أطمة.
وبالتوازي مع هذه التحركات، كان لافتاً تأكيد وزير الخارجية السوري، من موسكو، أن دمشق تعتبر العمليات التركية «تدخلاً غير مشروع»، وإضافته أن «ما يجري في إدلب الآن... هو جزء من تسوية الأوضاع بين تركيا وأدواتها. يقولون إن وجودهم يجري في ظل (اتفاق محادثات) أستانا، ولكن أنا فهمت اليوم أنه لا علاقة لأستانا بهذ العمل التركي، ولذلك فإن أي إجراء لا ينسّق مع الحكومة السورية هو إجراء عدواني». التشكيك السوري في توافق التحركات التركية مع ما تم الاتفاق عليه في أستانا، قد يشير إلى أن أنقرة تعمل على سياق مواز لتحركها المنسّق وفق الأجندة مع روسيا وإيران. وهو يتسق مع ما يجري الحديث عنه من اتفاقات بينها وبين «هيئة تحرير الشام» على دخول إدلب ومحيطها من دون اشتباكات. وضمن السياق نفسه، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن «هناك مشاورات يومية ثنائية أو ثلاثية، بين ممثلي (تركيا وإيران وروسيا) العسكريين... وبالطبع هناك مشاورات مع السلطات السورية». ونفى أن تكون أنقرة تتحرك في خطوات غير متفق عليها، بالقول: «أعتقد أن كل ما يجري يتم التوافق عليه عبر اتصالات مسبقة، تجنّباً لحدوث مفاجآت».
(الأخبار)