يقف رئيس حكومة كاتالونيا، كارليس بيغديمونت، في موقعٍ لا يُحسد عليه، إذ يتعرّض لضغوط كبيرة من الحكومة الإسبانية وقادة دول كبرى للتراجع كلياً عن استقلال الإقليم، من جهة، ولضغوط محلّية من حلفائه للمضيّ قدماً في خطوات الانفصال عن إسبانيا، من جهة أخرى، وخصوصاً بعد تهديد هؤلاء بإضرابات وتظاهرات حاشدة في حال إعلان رئيس حكومة الإقليم التراجع.
وفي خطوةٍ زادت الموقف التباساً، بعث بيغديمونت، يوم أمس، رسالةً إلى رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، عرض فيها أن يجتمعا «بأسرع وقت ممكن» خلال الشهرين المقبلين لإجراء حوار لحلّ الأزمة غير المسبوقة منذ 40 عاماً في إسبانيا.
إلا أن الوقت لا يلعب لمصلحة بيغديمونت ولا لمصلحة الإقليم بصورةٍ عامة، إذ أمامه حتى الساعة العاشرة من صباح الخميس المقبل، لتوضيح موقفه النهائي من الاستقلال. أعقب مطلب مدريد التوضيح، خطاباً لبيغديمونت أمام البرلمان قبل أسبوع، أعلن فيه استقلال كاتالونيا، قبل أن يؤكد في الخطاب نفسه تعليق الاستقلال بنيّة التفاوض مع مدريد، ليتخذ الإعلان شكلاً رمزياً جاء في ضوء نتائج الاستفتاء الذي شهده الإقليم في الأول من الشهر الجاري.
وكانت مدريد قد منحت بيغديمونت مهلةً حتى صباح يوم أمس لتوضيح مسألة الاستقلال، قبل أن تمهله ثلاثة أيام إضافية للغرض نفسه، تحت طائلة تفعيل المادة 155 من الدستور الإسباني التي تعلّق الحكم الذاتي في كاتالونيا وتفرض السيادة الإسبانية عليها. هذا الإجراء الذي يبدو أن مدريد جادّة بالتوجّه إليه، عادت وهددت به نائبة رئيس الوزراء الإسباني، سورايا ساينث دي سانتاماريا، التي قالت: «لا تزال لدى السيد بيغديمونت الفرصة ليبدأ حلّ الموقف. يجب أن يجيب بنعم أو لا بشأن إعلان الاستقلال».
وأضافت في تصريح صحافي يوم أمس، أن «بيغديمونت لم يجب، في خطاب الاثنين، بنعم أو لا عن سؤال الحكومة الإسبانية هل أعلنت استقلال كاتالونيا»، معتبرةً أن دعوة بيغديمونت إلى الحوار «ليست ذات صدقية».
ولم يوضح بيغديمونت في رسالته إلى راخوي التي أذاعتها وسائل الإعلام‭ ‬المحلية في كاتالونيا هذه النقطة، قائلاً في الرسالة: «عرضنا لإجراء الحوار عرض صادق، برغم كل ما حدث. خلال الشهرين المقبلين، هدفنا الرئيسي هو إجراء هذا الحوار وأن تتمكن كل المؤسسات والشخصيات الدولية والإسبانية والكاتالونية التي عبّرت عن استعدادها للحوار من استكشاف الأمر».

رأت مدريد أن دعوة بيغديمونت لراخوي إلى الحوار غير صادقة


وفي الرسالة، رأى بيغديمونت أن تعليقه التفويض السياسي الذي منحه إياه الاستفتاء المحظور من قبل مدريد، «يُبرهن عن إرادتنا الصلبة من أجل إيجاد حل وليس الصدام». ودعا بيغديمونت إلى عدم السماح بمزيد من تدهور الأوضاع، مضيفاً «بنية حسنة، وإقراراً بالمشكلة وتصدياً لها، أنا متأكد من أننا سنتمكن من إيجاد سبيل للحل».
ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية (إفي) عن وزير العدل الإسباني، رفائيل كاتالا بولو، قوله يوم أمس، إن رد بيغديمونت «ليس صالحاً». من جهته، قال وزير الخارجية الإسباني، ألفونسو داستيس، إن رئيس كاتالونيا «لم يعطِ جواباً، ولم يوفر الوضوح المطلوب منه». وكان وزير الداخلية، خوان إيناسيو زويدو، قد قال في مؤتمر صحافي نهاية الأسبوع الماضي، إنّ عدم إعطاء بيغديمونت جواباً واضحاً «سيظهر أنه لا يريد الحوار، وبناءً عليه سيتعين على الحكومة الإسبانية اتخاذ التدابير الضرورية لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها».
ومن المقرر أن يمثل قائد شرطة كاتالونيا، جوزيب لويس ترابيرو، أمام القضاء الإسباني لاستجوابه بتهمة العصيان على خلفية طريقة تعامل الشرطة الكاتالونية مع التظاهرات المؤيدة للاستقلال، وعدم منعه إجراء الاستفتاء المحظور في حينه.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)