فوجيان | «إن ما يهمني أكثر من أي شيء آخر هو الاهتمام بالذين لا يزالون يعيشون ظروفاً معيشية صعبة» قال الأمين العام للحزب الشيوعي، رئيس جمهورية الصين الشعبية تشي جينغ بينغ خلال جلسة مناقشة اللجنة المركزية لدراسة وضع الحزب بشأن مستوى العيش؛ وأضاف «إن أبسط متطلبات بناء مجتمع مزدهر هي تأمين تخلص الريف من الفقر طبقاً للخطط التي وضعناها».
على هامش المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي في بلد المليار والثلاثمئة وخمسون مليون نسمة، يتباهى مسؤولو الحزب بنجاحهم في رفع مستوى عيش نحو 14 مليون مواطن صيني منذ انعقاد المؤتمر الثامن عشر عام 2012.
القيادة الصينية لبّت الوعد الذي كانت قد أعلنت عنه منذ خمس سنوات (يمكن مراجعة تغطية «الأخبار» للمؤتمر الثامن عشر عام 2012) حيث إن المعدل السنوي للرواتب زاد من 16500 يوان (نحو 2600 دولار أميركي) عام 2012 إلى 23821 يوان (نحو 4000 دولار أميركي) عام 2016. يعني ذلك أن معدل الدخل الشهري لكل من الـ 800 مليون عامل صيني بات يبلغ نحو 335 دولاراً أميركياً.
ولا شك أن ذلك يزيد القوة الشرائية، ما يطوّر الأسواق الداخلية الضخمة في جميع أرجاء الصين وقد يخفض نسبة اعتماد الاقتصاد على التصدير الخارجي.
غير أن القيادة الصينية لا تبدو مكتفية بما تحقق، إذ تعترف بأن 43 مليون مواطن لا يزالون يعانون الفقر الشديد، وبالتالي فإنّ أحد أهم أهداف السنوات الخمس القادمة (حتى انعقاد المؤتمر العشرين للحزب عام 2022) هو القضاء على الفقر بشكل كامل.
وشهدت السنوات الخمس الأخيرة تسخير الحزب الشيوعي جهوداً كبيرة لرفع مستوى العيش ومكافحة الفقر في مختلف أرجاء الصين، بما في ذلك مقاطعة فوجيان (38 مليون نسمة). زارت «الأخبار» أخيراً فوجيان وجالت على ثلاث مدن رئيسية فيها (فوزو وكوانغدونغ وشيامن) بدعوة من وزارة الخارجية، والتقت المسؤولين الحزبيين والحكوميين فيها للاطلاع على أبرز ما تضمنته خطة مكافحة الفقر فيها.

مكافحة الفقر: فوجيان نموذجاً

فوجيان هي من المقاطعات الصينية التي تمكنت من تخفيض عدد الفقراء من مليون نسمة عام 2012 الى مئتي ألف عام 2016، أي بنسبة 80 في المئة، وذلك بفضل خطة نهوض تشاركت الهيئات الحزبية والشعبية مع المؤسسات الحكومية في تحقيقها. كيف حصل ذلك؟
تنطلق «طريق الحرير» التاريخية لتصدير المنتجات الصينية نحو الغرب من فوجيان (وتحديداً من مدينة فوزو الساحلية). ولا شك أن مبادرة القيادة الصينية في إعادة إحياء طريق الحرير البحرية ساهمت في تطوير النشاط الاقتصادي في المقاطعة. غير أن التجارة المزدهرة لا تكفي وحدها في رفع مستوى العيش لـ 38 مليون نسمة يعيشون في فوجيان التي تغطي الجبال 80 في المئة من مساحتها.
أطلق الحزب الشيوعي أخيراً استراتيجية «صنع في الصين 2025» و«إنترنت بلاس» لتحفيز الصناعات الجديدة، وسخّر جهوداً كبيرة لتأمين البنية التحتية اللازمة لمكافحة الفقر عبر إشراك أكبر عدد من المواطنين في الإنتاج من خلال:
ــ تطوير الموانئ البحرية وتحديث الأسطول التجاري.
ــ تطوير وسائل النقل البرية والجوية الداخلية من خلال تأمين 5000 كلم من السكك الحديد وشبكة باصات تربط الريف بالمدن، وتحديث ستة مطارات.
ــ تأمين وسائل اتصال ونقل معلومات سريعة من خلال إمدادات للألياف البصرية (فايبر أوبتك)، حيث إن نحو 79 في المئة من أصل 38 مليون صيني في فوجيان يمكنهم اليوم استخدام شبكة الإنترنت السريعة.
ــ فرض التعليم الإجباري لمدة تسع سنوات للجميع وتحديث مناهج التعليم.
ــ التركيز على التعليم العالي، ففي فوجيان 88 جامعة تخرّج نحو 212 ألف طالب سنوياً.
ــ تشجيع الاستثمارات الخارجية، حيث بلغ حجمها في فوجيان نحو 8 مليارات دولار أميركي عام 2016.
وشرح مدير التنمية المحلية والإصلاح في فوجيان، وانغ غاوهوي، لـ«الأخبار»، أنّ خطة مكافحة الفقر تركز بشكل أساسي على إشراك الفقراء في العمل من خلال التدريب التقني حيث تم تدريب نحو 40 ألف شخص خلال العام المنصرم وقد التحقوا بالمصانع والمشاغل المنتشرة على طول الساحل، «لكننا لا نريدهم أن يغادروا قراهم في الريف، بل نحن نشجعهم على البقاء فيها وتنميتها». ومنذ عام 2016، انتقل 16 ألف موظف حكومي إضافة الى المتطوعين الحزبيين من المدن إلى الريف لمساعدة الفقراء ولتحفيزهم على زيادة العمل والإنتاج.
ويشير نائب مدير مكتب التجارة في فوجيان، لاي زيغانغ، إلى أن «زيادة الدخل يرفع مستوى العيش في الريف، ويتيح تحريك العجلة الاقتصادية من خلال التبادل التجاري الداخلي، كما يشجع ذلك على الاستثمارات الداخلية». وشرح المسؤول في مقاطعة فوجيان، لي لين، مبادرات مساعدة الصينيين على تأسيس شركاتهم وإطلاق مشاريعهم التجارية من خلال تقديم القروض الميسّرة والإتاحة لهم الاستفادة من خدمات البنى التحتية.

تطوير إنتاج التعاونيات

في إطار مكافحة الفقر في المناطق الريفية، أقام الحزب الشيوعي تعاونيات زراعية ساهمت في زيادة الإنتاج الزراعي وساعدت على تسويق المنتجات. كذلك ساهم الحزب في تدريب الفلاحين وتزويدهم بالأدوات والآليات الحديثة التي مكّنتهم من رفع جودة المحاصيل واستثمار الأراضي الزراعية على نحو فعال. زارت «الأخبار» إحدى هذه التعاونيات في بلدة «يوان تشان تشو» في شيامن، والتقت بعض الفلاحين والعمال وعائلاتهم. وخلال جولة على صالة عرض المنتجات الزراعية، شرحت إحدى المتطوعات أنّ المزارعين تمكنوا من زيادة دخلهم وتطوير مهاراتهم الخاصة إضافة إلى مساهمتهم في تطوير الإنتاج لمصلحة المؤسسات الحكومية. وكان لافتاً تنظيم التعاونية أنشطة ترفيهية للأطفال والعجّز، واحترام التقاليد الصينية القديمة والشعائر الدينية حيث تم الحفاظ على تمثال لبوذا يقع في تلة تشرف على الأراضي التابعة لتعاونية «يوان تشان تشو».

خدمات المراكز الاجتماعية

إضافة إلى التطوير الصناعي والزراعي، ساهم الحزب الشيوعي الصيني في تكثيف الخدمات الاجتماعية والرعوية للمواطنين من خلال إقامة مراكز اجتماعية في جميع المناطق والأحياء. زارت «الأخبار» أحد تلك المراكز في فوجيان، وتعرفت إلى الخدمات المؤمنة مجاناً للجميع ومنها المساعدة والإرشاد الاجتماعي والصحي والعناية بالأطفال من خلال دور الحضانة والاهتمام بالعجّز والمعوّقين. كما تنظم المراكز الاجتماعية أنشطة ترفيهية وبرامج تعليم اللغة والأعمال الحرفية والموسيقية والرياضية.




بكين تستقبل مؤتمر الجيل الخامس

الساعة الواحدة فجراً، مئات المتطوعين في شوارع حي «سانليتون» في العاصمة بكين يقومون بأعمال ترميم الأرصفة وتنظيف الجدران وتشحيل الأشجار وزرع الزهور تمهيداً لاستقبال المشاركين في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني. وإضافة إلى أعمال التجميل، تنتشر قوى الشرطة والأمن على مفارق الطرقات وتنشط المراقبة لمنع أي أحداث أمنية أو أي هجوم يمكن أن يستهدف المؤتمر، في ظل التهديدات الأمنية التي يشهدها العالم اليوم.
أما في ساحة «تيان ان من»، فكل شيء بات جاهزاً حيث تم تجديد صورة مؤسس الحزب الشيوعي ماو تسي تونغ على مدخل المدينة التاريخية المحرمة، وانتصبت الأعلام الحمراء في كل مكان ورفعت الشعارات الحزبية التي تؤكد ثبات حكم الحزب الأوحد في الصين، وتعرّف الخصائص الصينية للشيوعية التي تتميز عن النظام السوفياتي السابق.
هنا، ومع تولي الجيل الخامس قيادة البلاد منذ عام 2012، يترسخ الاقتناع بأن «الموديل» الصيني للشيوعية أتاح الاستقرار والنمو الاقتصادي، وسمح في تحسين أحوال مئات ملايين البشر بعدما عانوا المرض والجوع والحروب الأهلية لقرون سبقت المسيرة الطويلة للقائد المؤسس.






الأمين العام ومعاناة الفقراء


كان رئيس جمهورية الصين الشعبية والأمين العام الحالي للحزب تشي جينغ بينغ قد انتقل من العاصمة بكين للعمل لمدة سبع سنوات في الزراعة في الريف (في بلدة ليانغجاهي – مقاطعة تشانكسي) عندما كان في السادسة عشرة من العمر. ولدى بلوغه سن العشرين، تولى مسؤولية حزبية في ليانغجاهي وسعى الى زيادة المحاصيل الزراعية وتشجيع الفلاحين على جني بعض المال لمصلحتهم الخاصة. كان ذلك محفزاً أساسياً لتكثيف ساعات العمل. وبين عامي 1982 و1985 تولى مركز سكرتير الحزب في مقاطعة زيندينغ، حيث كانت مستويات الفقر كارثية لدرجة أنه اضطر إلى المكوث في مكتبه في مقر الحزب، حيث كان ينام على مقاعد الجلوس. زاد ذلك من تصميم الرجل على مكافحة الفقر وابتكر ورفاقه خططاً لتحفيز العمال والفلاحين على مضاعفة الإنتاج من خلال منحهم الأرباح الخاصة الإضافية. فأطلق الحزب خطة استصلاح الأراضي لمصلحة الفلاحين وتم الاتفاق على حجم المساهمات العامة، وبالمقابل أتيح للفلاحين بيع كل ما يزيد عن تلك المساهمات في السوق لجني الأرباح الخاصة.
تولى تشي بعد ذلك مركز نائب سكرتير الحزب في مقاطعة فوجيان، حيث ساهم في إطلاق عدة مشاريع لمكافحة الفقر؛ أهمها مشاريع ضخمة لحفر آبار المياه وتطوير القطاع الزراعي والصناعي. ولدى ترفيعه إلى مركز نائب الأمين العام للحزب في فوجيان، شدد تشي على ضرورة بناء المدارس والطرقات وتمديد الكهرباء الى الريف وتطوير الخدمات العامة. كما أطلق مبادرات التدريب المهني التقني في مجالات الصيد البحري وتربية الدواجن والمواشي، ما أدى الى زيادة الإنتاج وتكثيف الأرباح الخاصة، إضافة الى رفع مستوى العيش للعموم.