تستعد إسبانيا، اليوم، لتعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا والسيطرة بشكل مباشر على المؤسسات في الإقليم، فيما تطالب الأحزاب السياسية بإجراء انتخابات كحلّ للخروج من أسوأ أزمة سياسية تشهدها البلاد، منذ عقود.
وكان مئات الانفصاليين يقومون بسحوبات مالية كبيرة ورمزية من مصارف كاتالونية، احتجاجاً على إعلان مدريد، أول من أمس، القيام بإجراءات غير مسبوقة لفرض سيطرتها المباشرة على مؤسسات الإقليم الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي، بعدما هدّد زعيمه بإعلان الاستقلال.
والحكم الذاتي مسألة بالغة الحساسية في كاتالونيا، التي انتزعت منها سلطاتها أثناء الحكم الديكتاتوري العسكري، وهناك مخاوف من اندلاع اضطرابات في الإقليم الغني الواقع في شمال شرق إسبانيا، في حال قيام مدريد بإلغائه.
وحذّر رئيس الإقليم كارليس بيغديمونت، من أن خطوات كتلك، يمكن أن تجبر المشرّعين في برلمان الإقليم على إعلان الاستقلال من جانب واحد، بعد استفتاء أثار الفوضى في الأول من تشرين الأول حول مسألة الانفصال عن إسبانيا.

أعلن توسك أنه لا «مجال لتدخل الاتحاد الأوروبي» في الأزمة


وفي هذا الإطار، تجتمع حكومة ماريانو راخوي، اليوم، لاتخاذ قرار بشأن المؤسسات التي ستتسلّم إدارتها مدريد من كاتالونيا، التي تدير قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والشرطة. وقال راخوي، أمس، إنه تمّ التوصل إلى «نقطة حاسمة» في الأزمة. لكن فرناندو مارتينيز ــ مايو، المسؤول الثالث في «حزب الشعب» المحافظ بزعامة راخوي، قال إن إسبانيا يمكن أن تتجنّب إجراءات جذرية كتلك، إذا تراجع بيغديمونت عن قراره قبل أن يلتقي مجلس الشيوخ لمناقشة الخطط، بحلول نهاية تشرين الأول على الأرجح. وأكد أن بيغديمونت «يمكنه تغيير المسار والعودة إلى قانونية الدستور».
من ناحيتها، فإن الأحزاب الإسبانية الكبرى التي تجاوزت انقساماتها للتضافر تجنباً لتفكك إسبانيا، تدفع نحو انتخابات مبكرة للبرلمان الكاتالوني الذي يهيمن عليه الانفصاليون منذ عام 2015. والانتخابات التي توافق عليها مدريد ــ بعكس الاستفتاء الذي اعتبر غير دستوري ــ ستسمح للناخبين بالتعبير عن رأيهم حول كيفية المضي قدماً. وذكرت تقارير صحافية أن الحكومة والمعارضة الاشتراكية وافقتا على الدعوة إلى انتخابات مبكرة، في كانون الثاني، كأقرب موعد، وهو ما أكدته كارمن كالفو كبيرة المفاوضين عن «الحزب الاشتراكي».
أما بروكسل، فقد أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أنه ليس هناك «أي مجال لتدخل الاتحاد الأوروبي» في الأزمة السياسية الخطيرة في إسبانيا. وقال خلال قمة قادة الاتحاد الأوروبي: «لن نخفي حقيقة أن الوضع مثير للقلق»، مستدركاً: «لكن ليس هناك مجال للوساطة أو اتخاذ مبادرة أو عمل دولي»، مؤكداً بذلك التأييد القوي لموقف مدريد. وتابع للصحافيين: «لدينا جميعاً مشاعرنا وآراؤنا وتقييمنا، لكن من وجهة نظر رسمية لا مجال لتدخل الاتحاد الأوروبي» في هذه الأزمة.
من جهته، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الأزمة في كاتالونيا شأن إسباني داخلي، لكنه انتقد «ازدواجية معايير» الغرب حيال الحركات الانفصالية في العالم. وقال في لقاء مع خبراء في العلاقات الدولية في منتجع سوتشي على البحر الأسود، إن «موقف روسيا معروف، كل ما يحدث هو شأن إسباني داخلي يجب أن يحلّ بموجب القانون الإسباني، ووفق أسس التقاليد الديموقراطية». لكنه أشار إلى أن الأزمة تعكس النفاق والتناقض الغربي بشأن دعم بعض الانفصاليين، ومعارضة آخرين مثل دعم استقلال كوسوفو مع معارضة المطالب باستقلال كاتالونيا والأكراد. وأوضح بوتين: «نرى في وجهة نظر الشركاء أن هناك مقاتلين يستحقون الاستقلال، وهناك انفصاليون لا يمكنهم الدفاع عن حقوقهم»، مضيفاً أن «هذا مثال واضح جداً على ازدواجية المعايير». وأكد بوتين أن القوى الغربية على معرفة منذ زمن بعيد بـ«الخصومات في أوروبا»، في إشارة إلى كاتالونيا. ولفت إلى الاعتراف باستقلال كوسوفو الذي رحّب به الغرب، متسائلاً: «لماذا كان عليهم دعم انفصال كوسوفو دون تفكير أو نقاش؟».
في غضون ذلك، تجمّع في برشلونة أنصار الاستقلال في البنوك، وأمام أجهزة الصرف الآلي، لسحب الأموال احتجاجاً على الحكومة المركزية، وعلى البنوك التي غادرت كاتالونيا، فيما ترخي الأزمة بثقلها على أحد أهم مكامن الاقتصاد في إسبانيا. وكان بعض المحتجين يسحبون مبالغ رمزية لا تتعدى 155 يورو (183 دولاراً)، في إشارة إلى المادة 155 في الدستور، التي تتعلّق بإجراء لم يستخدم من قبل، يسمح لمدريد بالسيطرة المباشرة على مؤسسات كاتالونيا. وسحب آخرون مبلغ 1.714 يورو وهو رقم يطابق عام 1714، عندما استولت قوات الملك فيليب الخامس على برشلونة وقام الملك بعدها بتقليص حقوق المناطق التي وقفت ضده في حرب الخلافة. ويرى الكاتالونيون في هذا التاريخ رمزاً لخسارتهم استقلالهم.
(الأخبار، أ ف ب)