تتسارع مجريات المعارك في الريف الشرقي والجنوبي لمحافظة دير الزور، في إطار التنافس على المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا، وخاصة معبر القائم ــ البوكمال. ويبدو أن القرار العراقي بالتحرك غرباً نحو القائم، دفع «التحالف الدولي» إلى استعجال سيطرة قواته البرية العاملة في ريف دير الزور الشرقي، على المناطق النفطية عبر اتفاقات مع تنظيم «داعش»، لدفعها شرقاً نحو البوكمال، التي لطالما حاول السيطرة عليها عبر «حلفاء» مختلفين على الأرض.
التحرك المشترك من الجانبين السوري والعراقي كان يتطلب نقاطاً متقدمة للجيش السوري شرقاً، وهو ما حُصِّل في دير الزور والميادين وفي البادية حول محطة «T2». وكانت الولايات المتحدة قد حاولت لجم التحرك العراقي لمرات عديدة، وحوّلت الأولوية نحو معارك مختلفة. اليوم تبدو الصورة مختلفة، مع تأكيدات واردة من بغداد، حول قرب انطلاق «معركة استعادة القائم»، وبمشاركة من «الحشد الشعبي» الذي جرّبت واشنطن تحييده عن معارك عديدة، أهمها معركة الأنبار. ووفق المعلومات المتوافرة لـ«الأخبار»، ستتحرك القوات الأمنية العراقية إلى جانب قوات «الحشد» وفصائل المقاومة، في منطقة عمليات تتجاوز مساحتها ثلاثة آلاف كيلومتر مربع، وذلك ضمن عملية تتوزّع على ثلاث مراحل قد تمتد لنحو ثلاثة أسابيع. وتهدف المرحلة الأولى إلى تطويق مدينتي راوه والقائم، وعزلهما عن مدينة البوكمال السورية. أما في الثانية، فستعمد القوات إلى اقتحام المدن وتنظيفها من بؤر التنظيم وخلاياه، على أن تتضمن الثالثة استعادة الحدود، ومن ثم تطهير جيوب «داعش» المنتشرة في الصحراء الغربية.

تحاول «قسد» قطع طريق الجيش نحو ناحية البصيرة

وأوضحت مصادر عراقية في حديثها إلى «الأخبار»، أن المعركة ستشهد تنسيقاً فعلياً بين الجانبين العراقي والسوري، عبر «الوسيط» الإيراني، في محاولة من بغداد لتجنّب أي «عرقلة» أميركية قد تظهر في خلال الأيام المقبلة. وأضافت أن قنوات «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، أبلغت عدداً من قيادات «العمليات المشتركة» حساسيتها «البالغة» من تحشّدات «حلفاء إيران» في تلك المنطقة ومشاركتها في معركة القائم. ولمّحت المصادر إلى أن التنسيق قد يتضمن «كسراً للحدود»، من قبل الجانبين العراقي والسوري، حيث من المحتمل أن تدخل القوات السورية خلال تحركها لمسافة كيلومترات قليلة داخل الأراضي العراقية، بما يتيح الالتفاف حول مدينة البوكمال. وضمن السياق نفسه، ألقت القوات العراقية آلاف المناشير فوق مدينتي راوه والقائم، بالتوازي مع إعلانها انتظار «أمر العمليات» من رئيس الوزراء حيدر العبادي.
وبينما يفترض هذا السيناريو نجاح القوات السورية والعراقية في تطويق القائم والبوكمال، تتشابك تفاصيل الصراع من الجانب السوري مع اندفاع «قوات سوريا الديموقراطية» شرقاً نحو بلدات وادي الفرات القريبة من البوكمال. وشهد أمس تقدماً جديداً لتلك القوات باتجاه حقل التنك النفطي، جنوب شرق حقل العمر في ريف دير الزور الشرقي. ولم يخرج أي تأكيد رسمي من «قسد» أو «التحالف» حول تأكيد السيطرة على الحقل من عدمها. وبدا لافتاً أن «قسد» لم تنشر أي صور عن العمليات الجارية في منطقة الحقول النفطية، وهو ما ردّه متابعون إلى أن عناصر «داعش» الموجودين في منطقة الحقول انشقوا عن التنظيم وانضموا إلى «مجلس دير الزور العسكري» التابع لـ«قسد» ضمن الوساطة العشائرية.
ويشكل تقدم «التحالف» الأخير ضغطاً إضافياً على الجيش وحلفائه، الذين يواجهون مقاومة عنيفة في محيط مدينة الميادين الجنوبي، وتحديداً في محيط العشارة، وأطراف بلدة محكان المحاصرة. وبالتوازي، استكمل الجيش تعزيز مواقعه في محيط محطة «T2» في ريف دير الزور الجنوبي، وسيطر على نقاط إضافية جنوب المحطة، ستتيح له تغطية نارية أفضل باتجاه خطوط إمداد «داعش» من الجهة الشرقية.
وبعيداً عن العمليات نحو البوكمال، سيطر الجيش على حيّ الصناعة داخل مدينة دير الزور، في تقدم لافت بعد أسابيع من الضغط على هذا المحور. وتابع تحركه نحو أطراف حي خسارات، في محاولة لخنق التنظيم داخل مساحة صغيرة من الأحياء السكنية. ويبقى أمام الجيش تحرير الأحياء الباقية في يد التنظيم، وعلى رأسها الحميدية، إلى جانب منطقتي العلاليش وحويجة كاطع، قبل تحرير المدينة ومحيطها بالكامل.
في موازاة ذلك، شهدت خطوط التماس بين الجيش و«قسد» توتراً في عدد من المواقع، كان أبرزها في منطقة محطة قطار الجفرا، شمال شرق طابية الجزيرة، على الضفة الشمالية للفرات. وأفادت «قسد» بأن قذائف مدفعية أطلقتها قوات الجيش، استهدفت مواقعها هناك، في وقت كانت تتعرض فيه لهجوم من «داعش». وتشير المعطيات إلى أن «قسد» تحاول تعطيل تحرك الجيش نحو بلدة جديد عكيدات، في وقت تهاجم فيه محيط ناحية البصيرة. وتهدف عبر ذلك إلى منع تقدم الجيش شرقاً، وإنهاء احتمال سيطرته على مركز ناحية ثانٍ شرق الفرات، إلى جانب خشام.
(الأخبار)