برازيليا | للمرة الثانية على التوالي، منح البرلمان البرازيلي الغطاء السياسي للرئيس ميشال تامر، بعدما رفض طلب النيابة العامة إقالته، تمهيداً لمحاكمته مع عدد من وزرائه في قضايا فساد ورشى فاقت نصف مليار ريال برازيلي (نحو 153 مليون دولار). وعلى الرغم من تصويت أقل من نصف النواب على حفظ قرار الاتهام، فقد كان العدد كافياً لإنقاذ الرئيس، ذلك أن الدستور يشترط موافقة غالبية الثلثين على مشروع الإقالة، أي ما نسبته 342 نائباً من أصل 513 نائباً يشغلون البرلمان الحالي.
بعيداً عن النتيجة، أظهرت عملية التصويت تضعضعاً في الائتلاف الحاكم، حيث ظهر إلى العلن تمرّد عدد من نواب الموالاة الذين رأوا أن مجاراة تامر باتت عملاً غير أخلاقي، خصوصاً أن الملف الاتهامي تضمّن أدلة واضحة على مشاركته في عمليات الفساد ونهب المال العام. وخفَض هذا التمرّد نسبة التأييد إلى 251 نائباً، بعدما حاز ثقة 272 نائباً في التصويت الماضي. أما المفاجأة، فقد كمنت في إعلان ثمانية نواب من «الحركة الديموقراطية» تأييدهم طلب الإقالة، ما دلّ على انقسامات واضحة حتى داخل الحزب الذي يتزعمه تامر.

توعّد دا سيلفا اللصوص وأعوانهم من القضاة بدحرهم عبر صناديق الاقتراع
ولكن هذا الانقسام لم يفسد احتفالية الرئيس الذي أعلن استمراره في سدّة الرئاسة، وإصراره على المضي في قراراته السياسية والاقتصادية، متجاهلاً ما سمّاه الحملات «الجائرة» التي تستهدف إنجازاته الاقتصادية ونجاحه في تحقيق الاستقرار للبرازيل. وقابل احتفالية تامر ردّ عنيف من الزعيم «العمالي» لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي شكّك في جدية السلطات السياسية والقضائية في مكافحة الفساد، متهماً تامر بإهدار ثلاثين مليار دولار لتأمين أصوات النواب، وشراء الحماية السياسية، متسائلاً عن الانحطاط الأخلاقي الذي تعيشه البلاد، وستستمر فيه على مدى أربعة عشر شهراً (المدة الباقية من ولاية تامر). دا سيلفا توعّد من وصفهم باللصوص وأعوانهم من القضاة، بدحرهم عبر صناديق الاقتراع وتخليص البلاد من أكبر عملية تدمير ممنهج لاقتصادها وبنيتها الاجتماعية. وللمرة الأولى منذ تعيين تامر خلفاً للرئيسة العمالية المعزولة ديلما روسيف، ضجّت شبكات التواصل الاجتماعي بالاحتجاجات على تواطؤ الطبقة السياسية الفاسدة، ومنع القضاء من السير قدماً في تحقيق العدالة. وقد اضطرت كبرى المؤسسات الإعلامية إلى مواكبتها بعدما اتُّهمت سابقاً بنقدها الخجول مقارنة بحملاتها الإعلامية الشرسة ضد «حزب العمال» وزعيمه لولا دا سيلفا، المتّهم بتلقي رشى لإصلاح شقة سياحية لم تثبت صحتها بعد، فيما تنهال عشرات قضايا الفساد المثبتة بالأدلة والوثائق والتسجيلات على تامر، الذي حوّل ميزانية الدولة إلى حصص يتقاسمها مع حلفائه علناً، وكان آخرها إقرار مشاريع مقدمة من النواب بقيمة 600 مليون ريال في الأسبوعين الأولين من الشهر الحالي، وهي نسبة تفوق أربعة أضعاف الصرف الشهري المعتمد. على المستوى القانوني، يؤكد حقوقيون أن نجاة تامر من العزل لن تخلّصه من الاستمرار في ملاحقته القانونية، خصوصاً أن المحكمة العليا ماضية في بتّها في ملفي وزيري الديوان الحكومي اليزو باديليا، والأمين العام لمجلس الوزراء موريرا فرانكو، وهما ملفان يرتبطان بقضية تامر. بناءً على ما تقدّم، لن تشكل الأيام المقبلة إلا ضغطاً إضافياً، ومزيداً من الفضائح التي باتت جزءاً من شخصية الرئيس اللبناني الأصل، ميشال تامر.