يوم أمس، تقدمت الحكومة، التي يرأسها جابر مبارك الحمد الصباح منذ عام 2011، باستقالتها إلى أمير البلاد، صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي سرعان ما قَبِل استقالتها وكلّفها «تصريف العاجل من الأمور». جاء ذلك قبيل يوم واحد من الموعد الذي كان مقرراً للتصويت على طرح الثقة البرلمانية بوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وزير الإعلام بالوكالة، المنتمي إلى أسرة الصباح، محمد العبدالله الصباح.
بَلغ عدد النواب المؤيدين لطرح الثقة بالصباح، بعد استجوابه يوم الأربعاء الماضي بناءً على طلب النائبَين رياض العدساني وعبد الكريم الكندري (اتهم النائبان الوزير بمخالفات إدارية ومالية)، 30 نائباً من أصل 50. رقمٌ حصّله مقدّما الاستجواب بعدما انضم إليهما نواب المعارضة الذين كانوا يأملون أن تؤدي المفاوضات مع الحكومة إلى إلغاء الاستجواب مقابل إعادة الجنسيات لِمَن سُحبت منهم لأسباب سياسية قبل أن تفشل الصفقة، فضلاً عن نواب محسوبين على الحكومة وجدوا الفرصة سانحة للتخلص من الوزير الصباح.
كان بإمكان الأعضاء المنضمين إلى العدساني والكندري سحب الثقة من الصباح، وحرمانه حق تولي حقيبة وزارية مدى الحياة؛ لكون هذا الإجراء يتطلب موافقة النصف زائداً واحداً فقط من أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، وهو ما كان متوافراً. إلا أنّ انتساب الوزير إلى أسرة الصباح، وكونه الحفيد المباشر الوحيد لمؤسس الدولة، مبارك الصباح، حَمَياه، على ما يبدو، من مصير زميله، الوزير الأصيل، سلمان الحمود، الذي اضطر إلى تقديم استقالته في شهر شباط/فبراير الماضي، بعدما تشكلت أغلبية برلمانية مؤيدة لسحب الثقة منه، وغابت أي إشارات إلى نية الحكومة الاستقالة بدلاً من التضحية به. تُعزّز الفرضيةَ المتقدمة حقيقةُ أن أغلب الاستقالات الحكومية التي شهدتها الكويت في السنوات الأخيرة جاءت على خلفية استجواب وزراء من آل الصباح، كما حدث في عام 2007 عندما استقالت الحكومة بعد يومين فقط من استجواب وزير الصحة آنذاك، أحمد العبدالله الصباح، وفي عام 2008 حينما استقالت الحكومة إثر تقدّم نائبَين بطلب استجواب رئيس مجلس الوزراء، ناصر المحمد الصباح، وفي عام 2011 عندما استقالت الحكومة وحُلَّ البرلمان على خلفية السبب الأخير نفسه.
بيد أنّ الخصوصية التي تبعث عليها الأسماء المرتبطة بأسرة الصباح لا تلغي حقيقة وجود مظهر شامل «غير صحي» في الكويت، متمثل في العلاقة المضطربة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. اضطرابٌ يمنع النواب من ممارسة دور فعال في تحسين سياسات الحكومة، كما يمنع الأخيرة من مقتضى الاستقرار الذي تحتاجه في تنفيذ أي خطة تنموية. ذلك أن التشكيلة الحكومية نادراً ما تعكس نتائج الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي يخلق نوعاً من العداوة بين الوزراء والنواب. وفي المقابل، يعوق غياب الأحزاب السياسية بمعناها الحديث، لا بمعنى التنظيمات والجمعيات والكتل، تشكل أغلبية مريحة بإمكان مجلس الوزراء الاستناد إليها في أعماله ومشاريعه. هذه التناقضات التي تَندر وسائل تسويتها في حال نشوب نزاع بين البرلمان والحكومة، تدفع أمير البلاد، دائماً، إلى سلوك الطرق الأسهل (تشجيع استقالة الحكومة أو حل البرلمان)، تلافياً للمواجهة السياسية.
خيار يمثل اختلالاً واضحاً في التجربة الديموقراطية الكويتية، إلى جانب اختلالات أخرى تضاعفت مظاهرها خلال السنوات الأخيرة، بفعل تعاظم التأثير السعودي داخل البلاد. حتى اليوم، لا تزال الاتجاهات السياسية والفكرية الكويتية تعبِّر عن نفسها من خلال «الديوانيات» كبديل من غياب الأحزاب السياسية، التي يُفترض أن تشكل صلة الوصل بين السلطة والمواطن. هذا الغياب هو ما يجعل الحالة الكويتية متأخرة عن سواها، ويحرم الدولة الخليجية، إلى جانب غيره من العوامل، استكمال التحول من «مشيخة قبلية» إلى دولة مؤسساتية.

أغلب الاستقالات الحكومية تأتي على خلفية استجواب وزراء من آل الصباح

فضلاً عما تقدم، يأتي إفساح المجال أمام تغلغل التيارات السلفية المتشددة، المحسوبة على السعودية، داخل النسيج الكويتي، مع ما لذلك من تبعات على هامش الحريات الذي تتمايز به الكويت عن شقيقاتها، وبالتالي على الواقع السياسي برمته، بل وأيضاً على الحالة المجتمعية، التي تَعَزّز فيها الاستقطاب الطائفي، متجلياً ــ انتخابياً ــ في ذهاب أصوات المواطنين إلى مرشحين من الطائفة نفسها، وفي تضاؤل حضور اليساريين والليبراليين. أما عن تمثيل المرأة والبدون والشباب والقبائل، فتلك إشكاليات يتعاظم حضورها يوماً بعد يوم، ماثِلةً كتحديات ملحة أمام الديموقراطية الكويتية، لم يعد بإمكان الأسرة الحاكمة تجاهلها.
اليوم، يبدو أن الأمور تتجه، مجدداً، إلى إعادة توزير معظم الوزراء الحاليين في مناصبهم أو تدويرهم، مع الإبقاء على رئيس الوزراء الحالي الذي يُنتظر أن يقدم تشكيلته الجديدة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. تشكيلةٌ تدور التوقعات حول استبعاد عدد من الوجوه غير المرضيّ عنها برلمانياً، من مثل وزير الدفاع، محمد الخالد الصباح، ووزير الصحة، جمال الحربي. أما الوزير الذي نشبت الأزمة الراهنة بسببه، فثمة تمسّك به من قبل الأسرة الحاكمة؛ لكونه أحد أعضائها المُعدّين لدور أكبر في المستقبل، وهو ما يدفع إلى ترجيح إبقائه داخل الحكومة، مع إمكانية تسليمه حقيبة غير متصلة بالصراع بين السلطة والمعارضة، في محاولة لامتصاص الغضب عليه. وأياً تكن معالم التشكيلة الحكومية المقبلة، فلا يظهر أنها ستغاير ما سبقها من تشكيلات ظلّت تدور داخل الدوامة نفسها، مُعيدةً إنتاج أزمة ما يصطلح البعض على تسميته «ديموقراطية البداوة» الكويتية، التي لا تفارِق كثيراً «ديموقراطية الطوائف» في لبنان.