ظهر أوّل من أمس، تصدّرت الأخبار العاجلة المتتالية شاشة «العربية». «أنباء عن استقالة رئيس الوزراء اللبناني»، لحقها خبر آخر يفيد بأنّ سعد الحريري سيتلو نص استقالته حصرياً على المحطة السعودية. هكذا، تلا الحريري استقالته النارية من المملكة عبر التلفزيون المذكور، مستثنياً قناة «المستقبل» اللبنانية التي تمثّل تيّاره السياسي.
لم يمض سوى القليل من الوقت، قبل أن يبدأ استنفار غير مسبوق عبر الإعلام اللبناني، إذ تجنّدت بعض القنوات، خصوصاً «المؤسسة اللبنانية للإرسال» وmtv، لنشر بروباغندا مضادة لما تداوله الرأي العام اللبناني، وحرصت على الترويج لأنّ الحريري استقال بـ «قرار ذاتي» وليس بإيعاز من السعودية. حفلات جنون مسائية على الشاشتَيْن اللتين تناتشتا فُتات الحديث مع وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، وفتحتا الهواء لكلام تحريضي رخيص، صفّقت له، وهزّت رأسها له ذليلة.
استقالة الحريري أيقظت فريق 14 آذار من سُباته، فتهافتت وجوهه على القنوات المحلية والفضائية. أنعش القرار هذه القوى التي حضرت بقوّة على الساحة التلفزيونية. رغم التشنج الذي خيّم على الشارع اللبناني جراء الاستقالة المفاجئة، والخوف من سيناريوات أمنية مخيفة، إلا أنّ الشاشات المحلية، وكما دأبت على الدوام في وقت الأزمات، سارعت إلى وضع الزيت على النار، وساهمات في تأليب الرأي العام وتحريك الفتنة النائمة.
مساء أوّل من أمس، خصص مرسيل غانم حلقة «استثنائية» من برنامجه «كلام الناس» على lbci، استهلها بمطوّلة محبوكة بعبارات الانحياز والتحريض. «فعلها الحريري... بعد طول انتظار وبلع تسويات»، قال. حضر النائب عقاب صقر عبر اتصال هاتفي من مكان ما في أوروبا، ليقاطعه غانم ويضعه على لائحة الانتظار، فاتصال السبهان صار جاهزاً! كرّر الأخير عبارات وشتائم وزّعها على وسائل إعلام استضافته هاتفياً.

حفلات جنون مسائية على lbci وmtv اللتين تناتشتا فُتات الحديث مع ثامر السبهان
وصف حزب الله بـ «حزب الشيطان»، و بـ «الإرهابي»، وبـ «الوضع السرطاني في جسم الأمة العربية»، مشبّهاً إياه بالجماعات الإرهابية المسلحة. خطاب كراهية وتحريض، تلاه على مسمع الإعلامي اللبناني الذي لم يتكبّد عناء المقاطعة، بل عمد إلى هزّ رأسه مع كل كلمة تقال. سأل غانم السبهان: «ماذا بالإمكان فعله لمواجهة حزب الله... هل من ضربة عسكرية؟». خنوع تام، أظهره مرسيل بحضور ضيفيه فارس سعيد ونديم قطيش في الاستوديو، رغم إيحائه بداية بأنّه سيلعب دور المحاور النبيه، عندما طلب من السبهان أن يكون «صدره رحباً» لأسئلته!
من lbci إلى mtv، انتقل ثامر السبهان، حيث أجرت معه قناة «المرّ» مقابلة عبر الهاتف ضمن نشرة أخبارها المسائية، قبل أن يظهر في التغطية المباشرة التي خصّصها وليد عبود للتطرّق إلى تداعيات استقالة رئيس الوزراء اللبنانية. بشّر وليد عبّود اللبنانيين بـ «انطلاق حركة متجدّدة لـ 14 آذار»، ثم كرّر الوزير السعودي كلامه التحريضي تجاه حزب الله، فقاطعه في الاستوديو الكاتب والباحث اللبناني حبيب فياض عندما اتهم الحزب بأنّه «يهرّب مخدرّات». أكد فياض أن من يقوم بذلك هو الأمير السعودي الذي أوقف في لبنان وبحوزته آلاف حبوب الكبتاغون، أي عبد المحسن بن وليد آل سعود. هال عبود كيفية مقاطعة فياض للسبهان، فَعَلا الأدرينالين، وما كان من الإعلامي اللبناني إلا أن طلب من فيّاض خلال فاصل إعلاني مغادرة الاستوديو، غير أنّه رفض، مفضِّلاً إعلان هذا الطلب على الملأ. وهذا ما كان. استنفر عبود وبدا عصبياً إلى حد هستيري، وطلب من فياض ترك الحلقة لأنه لم «يلتزم أصول الحوار» وقام بمقاطعة السبهان، على حد تعبيره. زادت الضجّة أكثر مع توجّه فياض بسؤال يعدّ جريئاً واستفزازياً في آن: «وليد عبود قدّي قابض؟». ومعلوم أنّ مقدّم برنامج «بموضوعية» قدّم اعتذاراً واضحاً في عام 2015 للسعودية على استضافته شخصيات معارضة لهذا البلد. ومعلوم أيضاً، أن قناة «المرّ» تلقت دعماً مالياً سعودياً. ففي برقية سرّية من السفارات السعودية حول العالم نشرتها «الأخبار» في عام 2015 (الأخبار 20/6/2015)، يتبيّن أنّ وزارات الخارجية والثقافة والإعلام ورئاسة الاستخبارات اجتمعت لـ «دراسة دعم قناة mtv مادياً» بما أنّها تعاني من «تعثّر مادي». هذه الجهات الرسمية السعودية قرّرت دعم المحطة بمبلغ 5 ملايين دولار أميركي كـ «مبلغ مقتطع»، بعدما كان مقرراً منحها عشرين مليوناً.
المفاجأة التي فجّرها الحريري، حتى في أوساط أقرب المقربين إليه، وحالات الهستيريا التلفزيونية التي رافقتها طلباً لرضى الوزير السعودي الذي لا ينفك عن التهديد والوعيد للبنان، أعادتنا إلى محطات سابقة من تاريخ الإعلام اللبناني وعلاقته بأسياده السعوديين. مثلاً، يوم ظهر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على «تلفزيون لبنان» ضمن مقابلة أجرتها معه «الإخبارية السورية» قبل عامين، جنّ جنون الإعلام السعودي ومعه فريق 14 آذار، وشهدنا وقتها اعتذار وزير الإعلام رمزي جريج من السفير السعودي السابق علي عواض العسيري عمّا تضمّنه اللقاء من «إساءة للسعوديين»!