ضربة مزدوجة، مالية وسياسية، يسدّدها ولي العهد محمد بن سلمان، والحاكم الفعلي في المملكة السعودية، في عملية أشبه ما تكون بإحباط انقلاب عسكري، تضم أمراء ووزراء ونوابهم وقادة عسكريين وتجاراً وأصحاب مؤسسات إعلامية.الحملة في حد ذاتها تحمل أكثر من دلالة، رغم كونها تأتي في سياق عملية التجريف والتمهيد التي بدأها الملك سلمان منذ تسلمه السلطة في 23 كانون الثاني 2015، والتي بدأت بإطاحة الفريق السياسي للملك السابق، بمن فيهم مستشاره خالد التويجري (المعتقل حالياً)، وأمير الرياض تركي بن عبدالله (المعتقل حالياً)، وأمير مكة مشعل بن عبدالله (المعتقل حالياً).

إن أول دلالة للحملة غير المسبوقة، أن ابن سلمان لم يعد معنياً بالإجماع داخل العائلة المالكة ولا تقاسم السلطة مع الأمراء، بل هو يعلن القطيعة التامة معها، بما يمهد لبناء تحالفات جديدة من خارج العائلة.
الدلالة الثانية، أن الحملة تأتي في سياق إعادة تشكيل السلطة. هي في الأصل عملية غير طبيعية، وأشبه بمصادمة مع قوانين التاريخ والأعراف المعمول بها منذ ستين عاماً. لفهم طبيعة التدايبر التي قام بها الملك سلمان ونجله منذ أكثر من عامين، فإنه مع حالة أخرى غير محمد بن سلمان (حالة أخي الملك، أحمد بن عبد العزيز مثلاً)، قد تسيّر الأمور بخلاف ما يدبّر الآن، وقد تسير على الوتيرة نفسها التي كانت عليها في العهود السابقة.
في الشكل، إن عملية بهذا الحجم لا يمكن أن تكون ذات طبيعة مالية فحسب، ولكن البعد السياسي هو الأصل.
وفي الشكل أيضاً، تنطوي هذه الاتهامات على تشويه سمعة للأمراء والوزراء والتجّار، كما تمّ تشويه سمعة الأمير محمد بن نايف بتعاطيه المخدرات لتبرير إعفائه. ولكن، هذه الاتهامات لن ينجو منها الملك وابنه لأننا هنا نصبح أمام دولة فاسدة من الرأس حتى القدم.
وأيضاً، فإن الملك سلمان كان عضواً في هذه الدولة، وإن هذه الصحوة المتأخرة لا يمكن صرفها في الحرب على الفساد.
هناك رسالة خاطئة وخطيرة سوف تصل إلى المستثمرين الأجانب، إذ كيف لهم الوثوق بدولة ينخر فيها الفساد من كل جوانبها؟ ومن يضمن ألا يكون فيها الملك وابنه غارقين فيها؟ ولن تقرأ حملة الاعتقالات وسط الأمراء والوزراء ونوابهم والتجار على أنها حرب على الفساد، بل هي تصفية حسابات سياسية داخلية، تصفية مراكز القوى داخل العائلة المالكة التي يمكن أن تتكتل في مرحلة لاحقة.
هناك من يربط بين استقالة سعد الحريري من الحكومة اللبنانية، وخطة تصفية بقية مراكز القوى داخل العائلة المالكة المتزامنة، على غرار ما جرى في الأزمة القطرية التي جرى توظيفها لتنفيذ قرار تنحية الأمير محمد بن نايف. في حقيقة الأمر، أن خطة التمهيد الناري أمام وصول محمد بن سلمان إلى العرش كانت متواصلة منذ اليوم الأول لتولي سلمان العرش، وأن تنفيذ بعض القرارات مذّاك يأتي في سياق توظيف وضع أو حدث يكون مناسباً لإمرار قرار في هذا التوقيت.
في السيناريوات المحتملة والتحديات المقبلة أمام ابن سلمان:
ـ تآكل مجال العائلة المالكة.
ـ إضعاف ممنهج للأمراء/ الأجنحة المنافسة.
ـ إعادة تشكيل التحالفات، إذ لم يعد ابن سلمان يتكل على العائلة المالكة في الاستقواء بها على السلطة وإنما اللجوء إلى قوى اجتماعية أخرى (قبائل أخرى أو حتى قوى أجنبية).
ـ غياب التوافق العائلي قد يفتح المجال أمام قوى جديدة منافسة.
ـ هل يشكل الأمراء الساخطون حركة تمرّد مع أطراف قبلية واجتماعية أخرى؟
ـ تسريع عملية تتويج محمد بن سلمان بعدما قضى على المنافسين واعتقلهم.
ـ هل تسير عملية رؤية «السعودية 2030» بحسب ما خطط لها؟ وما هي الضمانات: متانة الاقتصاد، دعم واشنطن، توافق الداخل (القوى الاجتماعية، رجال الدين، الليبراليين...).
ـ هل الإصلاح السياسي ممكن الآن؟
ـ ابن سلمان يتصادم مع رجال الدين: تغيير المناهج وخرق المحرمات، المرأة والتسلية الغنائية والحفلات...
ـ غير متصالح مع المكونات الداخلية: الشيعة، الصوفية والإسماعيلية...
ـ المصادمة مع الأمراء.
ـ المصادمة مع الإقليم: قطر واليمن وسوريا وإيران ولبنان...