لم يكُن أمس كالأيام التي سبقته، منذ إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته الأحد الماضي من المملكة العربية السعودية. بدأ تيار المستقبل باستعادة دوره كمعنيّ أول بما حصل، بعدما ظهر في الساعات الأولى الطرف الأضعف نتيجة ما حلّ برئيسه. لكنه أمس أظهر موقفاً جريئاً، هو الأول من نوعه في وجه قرار السعودية احتجاز الرئيس سعد الحريري.
مستفيداً من احتضان شعبي واسع، ومن موقف رسمي حازم أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري، ومن مواقف القوى السياسية الرئيسية، بدأ الرد المستقبلي على القرار السعودي بتنحية الرئيس الحريري و«أخذ البيعة» لشقيقه الأكبر بهاء ليحل مكانه في قيادة تيار المستقبل. وزير الداخلية نهاد المشنوق، المستند إلى رفض آل الحريري الذهاب إلى السعودية لـ«مبايعة بهاء»، قال قبل الظهر من على منبر دار الفتوى، بعد زيارته المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، إن «اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر، والسياسة في لبنان تحكمها الانتخابات وليس المبايعات، ومن يظنّ غير ذلك يكون جاهلاً بطبيعة لبنان السياسية ونظامه الديمقراطي».
هذا التصريح كان بمثابة القنبلة التي سُمع صوتها في لبنان والمنطقة وفي السعودية تحديداً. فهو أول تأكيد علني على رفض القرار السعودي بإقصاء الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي. وفيما كان الوزير مروان حماده يروّج «اعتقاده» بأن الحريري سيعتزل العمل السياسي، كرر وزير الداخلية موقفه المتمسّك بسعد على صفحته على «تويتر»، وأعاد نشر فيديو دار الفتوى.
وكان ‏كلام المشنوق مقدمة صلبة لبيان كتلة «المستقبل» والمكتب السياسي للتيار، اللذين عقدا اجتماعاً، تلا عقبه الرئيس فؤاد السنيورة بياناً مختصراً جداً، قال فيه إن «عودة رئيس الحكومة اللبنانية، الزعيم الوطني سعد الحريري ورئيس تيار المستقبل، ضرورة لإعادة الاعتبار والاحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان، وذلك في إطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور واتفاق الطائف والاحترام للشرعيتين العربية والدولية». وكان لافتاً صدور هذا البيان بعيد بيان للخارجية السعودية تطلب فيه من رعاياها مغادرة لبنان فوراً.
مصادر في الكتلة كشفت لـ«الأخبار» بعض ما دار في الاجتماع، حيث عبّر الحاضرون «عن نقمة مستقبلية وشيء من الصدمة ممّا قامت به السعودية». وقالت «نحن لا ننكر دور المملكة في لبنان، لكن ما حصل هو خطأ في التعامل، وينمّ عن عدم فهم للتوازنات الداخلية، ولا بد من عودة الحريري الى البلاد». وأضافت «صحيح أن أحداً لا يقول داخل الكتلة بأن الرئيس الحريري قيد الإقامة الجبرية، لكن الجميع يتصرف وفق ذلك، إذ نعلم أنه ليس حرّ التصرف، فهو مقيّد الحركة والتواصل، لكن وضعه أفضل من الموقوفين الآخرين من أمراء ورجال أعمال، وما بيانات اللقاءات التي توزع بين الحين والآخر أو الجولات السريعة التي يقوم بها سوى محاولة لتهدئة الاوضاع في لبنان، خاصة على مستوى الجمهور السنّي الممتعض من السلوك السعودي تجاه الحريري والموقع السنّي الأول».
‏‏وفي المعلومات أيضاً، بحسب المصادر، أن لجنة شُكّلت هي أشبه بـ«خلية أزمة» تألفت من كل من السنيورة والنائبة بهية الحريري ومدير مكتب الحريري نادر الحريري والنائب السابق باسم السبع والوزيرين المشنوق وغطاس خوري، تُعنى بالتنسيق السياسي والإعلامي وإدارة العلاقات السياسية لتيار المستقبل وكتلته النيابية، في ظل شحّ المعلومات عن أوضاع الحريري في الرياض.
وفيما طالب بعض الحاضرين بأن يتضمن البيان الختامي «الأسباب التي أوصلت لبنان الى هذا الحال، في إشارة الى التصويب على حزب الله ودور إيران في لبنان في السياق نفسه الذي ذكره الحريري في بيان استقالته»، إلا أن «خلية الأزمة» رفضت ذلك، واكتفت بالتركيز على مطلب «عودة الرئيس الحريري أولاً»، وتأجيل كل نقاش آخر إلى ما بعد ذلك.