قرطاج | تحيل جوائز الدورة 28 من «أيام قرطاج السينمائية»، التي اختتمت مساء السبت الفائت، على حال عدد من السينمات العربيّة. استمرار توهّج السينما التونسيّة في إطار موجة ما بعد الثورة (10 جوائز)، متفوّقةً بنحو ملحوظ على سواها في المغرب العربي. تراجع السينما المصريّة، بعد تألّق لافت عام 2016.
الحصيلة جائزتان فقط، فيما لم يسجّل «شيخ جاكسون» للمصري عمرو سلامة أي نقطة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، رغم جودة كثير من مفاصله. «قضيّة رقم 23» لزياد دويري خرج بخُفَّي حنين. الشريط المثير للجدل أثار حماسة معظم النقاد والمتابعين لأسباب سينمائية صرف (بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى)، ولكن يبدو أنّ لجنة التحكيم برئاسة السينمائي الفلسطيني المعروف ميشال خليفي آثرت الهدوء وعدم استفزاز أحد. الأفلام السوريّة في ثلاث مسابقات مختلفة تمخّضت عن لا شيء. وحدها سؤدد كعدان نالت ثلاثاً من جوائز ورشة «تكميل» لدعم مشاريع الأفلام العربيّة والأفريقيّة في مرحلة ما بعد الإنتاج، لإنهاء فيلمها الروائي الأوّل «يوم أضعت ظلي»، الذي انتهت من تصويره أخيراً في لبنان. لا غرابة في ذلك، بما أنّ البروباغندا والشعارات تلطّخ العدسة السوريّة كالغبار السام. الحكّام الفعليون لـ «المؤسسة العامة للسينما» ما زالوا يكابرون. يهربون إلى الأمام. يفكرون في المؤامرات والمناصب، على حساب المواكبة ومعالجة جبال من الكوارث المتراكمة. في المقابل، تستمر بعض وثائقيات المعارضة في طرح انتقامي أحادي فارغ، على حساب اللحظة السينمائيّة وحساسية التقاطها. كذلك، تزداد القارّة السمراء تطوّراً سنةً تلو الأخرى. شاهدنا أفلاماً محكمةً من موزمبيق وجنوب أفريقيا وبوركينا فاسو والغابون والسنغال، التي تصدّر تحديداً مستوى لافتاً في أكثر من عنوان.
بكلّ تجرّد، يمكن القول إنّ هذه الدورة من «أيّام قرطاج» أوفت بوعودها. الآتي من أجل الأفلام، رجع إلى بيته راضياً. من يهمّه تفاصيل التنظيم، ونوعيّة الطعام، ونجوم السجادة الحمراء، فليبقَ في أروقة الفنادق، ومقاهي شارع الحبيب بورقيبة. الجمهور التونسي مبهر كالعادة. ازدحام مبهج حتى على الوثائقيات القصيرة والتظاهرات الموازية. تبقى مشكلة ترجمة الأفلام إلى الإنكليزيّة بحاجة إلى حل خلال الدورة القادمة، فليس كل الضيوف يجيدون الفرنسية.

«شرش» يقترح مقاربة
بالغة الذكاء لواقع الطبقة العاملة في تونس وفرنسا


أيضاً، لا بدّ من الإشادة بتطبيق مهرجان قرطاج أحد أهم جوانب جوهر السينما: الانفتاح. جلب أفلام من قارات أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبيّة، في عودة إلى الثوابت والجذور. برمجة أفلام سوريّة من مختلف الأطراف والتوجّهات. هذا نموذج ينبغي التمسّك به والبناء عليه، بعيداً عن أصحاب الرؤوس الحامية، وتشنّج الانعزاليّين. عرض عناوين إشكاليّة، بغضّ النظر عن أي اعتبارات أخرى، مثل «قضيّة رقم 23» لزياد دويري. لا إلغاء. لا حذف. تنوّع يشبه تونس نفسها.
نعود إلى الجوائز. في الأفلام الروائيّة الطويلة، ذهب التانيت الذهبي إلى الموزمبيقي «قطار الملح والسكر» لليسينيو أزيفيدو. شريط مظلم عن الحرب الأهليّة، التي مزّقت موزمبيق في الثمانينيات. مفاجئ خروج عمل محكم كهذا، في بلد ما زالت صناعة السينما فيه تحبو بحذر. الفيلم استحق أيضاً جائزة أفضل سينماتوغرافيا لفدريك سيرف. التانيت الفضي راح إلى «المتعلمون» لجون ترينجوف من جنوب أفريقيا. المغربي فوزي بن سعيدي خطف التانيت البرونزي عن «وليلي». أمر مفاجئ نوعاً ما، نظراً إلى وجود أفلام أعلى سويّة وأكثر نضجاً في المسابقة، مثل المصريّ «شيخ جاكسون» لعمرو سلامة، والتونسي «مصطفى زد» لنضال شطّا. عن هذا الأخير، نال عبد المنعم شويات جائزة أفضل ممثّل بجدارة، فيما ظفرت فيرو شاندا بيامبوتو بتتويج أفضل ممثّلة عن «فليسيتيه». أداء خلّاب في فيلم سنغالي لا يقلّ رفعةً واشتغالاً، إذ فاز بجائزة أفضل موسيقى أيضاً. توماس مارشان حصد جائزة أفضل توليف عن الجزائري «طبيعة الحال» لكريم موساوي. الضعف النسبي لهذا الشريط مباغت بالفعل، لكونه آتياً من قسم «نظرة ما» في مهرجان كان، كذلك في سجل صاحبه شريط ساحر متوسط الطول بعنوان «الأيام الماضية» (2013). جائزة السيناريو توزّعت على كتّاب «شرش» للتونسي وليد مطّار: ليلى بوزيد وكلود لوباب ووليد مطّار. نصّ يقترح مقاربة بالغة الذكاء لواقع الطبقة العاملة في تونس وفرنسا. يبني منظوراً مختلفاً لتيمات عدّة. النضج. انسداد الأفق أمام الشباب. الهجرة غير الشرعيّة. مهلاً، أوروبا ليست أرض الأحلام أيها المخدوعون. إنّها تختنق. تطحن أبناءها. تتحمّل جزءاً من مسؤولية انحدار الحال في مجتمعات أخرى. «شرش» خرج أيضاً بجائزتي الطاهر شريعة للعمل الأول، وقناة TV5 Monde لأحسن فيلم أول.




جوائز المهرجان

- جائزة الاتحاد العام التونسي للشغل (أفضل سيناريو فيلم تونسي): «على كف عفريت» لكوثر بن هنية، مع تنويه خاص لكتّاب «مصطفى زد» لنضال شطّا.
- جائزة الصورة للمركز الوطني للسينما والصورة (جائزة علي بن عبد الله): «بلد مين؟» لمحمد صيام (مصر).

جوائز الأفلام التسجيلية القصيرة:
- تنويه خاص من لجنة التحكيم بفيلم «صوت الشارع» لمنال الخاطري (تونس).
- التانيت البرونزي لفيلم «غزة بعيونهن» لمي العدة وريهام الغزالي (فلسطين).
- التانيت الفضي لفيلم «لا مرافئ للقوارب الصغيرة» لجويل أبو شبكة (لبنان).
- التانيت الذهبي لفيلم «جاكنسون.. من طفل شوارع لبطل» لليندا ليلي ديانا وجون مارك بوتو (النيجر).

جوائز الأفلام التسجيلية الطويلة:
- تنويه خاص من لجنة التحكيم بفيلم «اصطياد أشباح» لرائد أنضوني (فلسطين).
- التانيت البرونزي لفيلم «في الظل» للمخرجة ندى مازني حفيظ (تونس).
- التانيت الفضي لفيلم «كيميتو - الشيخ أنتا» لعصمان وليام مباي (السنغال).
- التانيت الذهبي لفيلم «كورو دو باكورو» لسمبليس جانو هيرمان (بوركينا فاسو).

جوائز الأفلام الروائية القصيرة:
- تنويه خاص من لجنة التحكيم بفيلم «أسرار الريح» لإيمان الناصري (تونس).
- التانيت البرونزي لفيلم «ونس» لأحمد نادر (مصر).
- التانيت الفضي لفيلم «ديم ديم» للوبي بابي بونامي وكريستوف رولان ومارك ريكيا (السنغال).
- التانيت الذهبي لفيلم «آية» لمفيدة فضيلة (تونس).