«يذكّرني هذا الرجل بالصحافي الأميركي المتمرّد والمتحدّي أبداً سايمور هيرش. الأفكار والغضب في فوران كالماء المغلي». هذا ما قاله روبرت فيسك عن غسّان مسعود في حوار نشرته صحيفة «إندبندنت» البريطانية، وهو ربما أبلغ وصف صحافي أنصفه خلال مشواره الشيّق.
غالباً فإنّه بسبب هذا الغضب، إبتعد مسعود نسبياً عن المسرح، رغم أن قاعدته الأثيرة تقول «اللحظة التي أكوّن فيها مشهداً مسرحياً، أقترح وطناً من خيالي». تلك التيمة التي يشتغل عليها إذا قرّر العودة إلى الخشبة، لكن بصورة منسجمة إلى حدّ كبير مع هذه القاعدة، فاجأته إبنته لوتس مسعود بإنجاز نصّ مسرحي بعنوان «كأنّه مسرح». يحكي الأخير عن مخرجة سورية تقرّر أن تجمع أبناء وطنها المتناحرين، بمختلف اعتقاداتهم السياسية وأفكارهم في عرض مسرحي واحد، رغبة منها في تقريب وجهات النظر واللعب على القواسم المشتركة، وإمتثال الحكمة التقليدية بأنّ الدم لا يمكن أن يصير ماء. على أن يكون المسرح مختبراً لنقاش عميق بين هؤلاء مهما إرتفع الصوت، ولو وصلت مشاحناتهم إلى درجة اشتباكات حقيقية. إلا أنها تبقى صورتها سليمة، كونها تدور في مكان وسياق ثقافي. لم يتردّد نجم «ملكة السماء» (2005 ريدلي سكوت) أن يُخرج النصّ بنفسه، كأنه يقدّم هدية لطفلته التي كانت تبكي كلّما راقبته وهو يحزم حقيبته من أجل أسفاره التي لا ينتهي. كان حينها يتمنى أن يأخذ حقّه في وطنه من دون أن يضطر للسفر والعمل خارجه أبداً. هكذا، تمكّن الأستاذ الذي علّم أبرز النجوم في «المعهد العالي للفنون المسرحية»، من أن يستقطب مجموعة من الأسماء المكرّسة في عالم التمثيل ليلعبوا أدوار البطولة في هذا العرض وهم: محمود نصر، ديمة قندلفت، ناظلي الرواس، أيمن عبد السلام، روبين عيسى، لجين اسماعيل، مصطفى المصطفى، راما عيسى. بدأ بالبروفات الفعلية، على أن يكون العرض جاهزاً في عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة.
من المعروف بأنّ وقتاً طويلاً أمضاه مسعود في كواليس المسارح قبل أن تعرف نشوة السينما العالمية وضوء التلفزيون طريقهما إليه. بدأ مشواره يوم عاد الراحل فواز الساجر من روسيا وبدأ البحث عن ممثلين لإنشاء فرقة للمسرح الجامعي. يومها حصل على أوّل فرصة في مسرحية «سكان الكهف» عام 1988 المسرحية التي قيل عنها إنّها أحدثت إنقلاباً في فنّ التمثيل المسرحي على المستوى العربي. بعدها قدّم عشرات العروض ممثلاً ومخرجاً آخرها «عرش الدم» (كولاج ما بين رائعتي شكسبير «مكبث»، و«ريتشارد الثالث») مشروع تخرّج لطلاب المعهد سنة 2012.