كثير من الخفة والإستخفاف بعقول المشاهدين، سادت تغطية بعض القنوات المحلية، لزيارة سعد الحريري الى باريس، بدعوة من رئيسها. الحريري، الموجود في حال لا يحسد عليها، في إنتقاله بعد أسبوعين من اقامته الجبرية في السعودية، الى باريس، وسط تكتم تام حول وضعه السابق، ومحاولة فريقه مدعوماً ببعض الأصوات في الإعلام، بإقناع الرأي العام بأن الحريري حر في الحركة والتصرف، وكل ما يقال عنه مجرد شائعات.
عند الساعة 7 صباحاً، حطّت طائرة الحريري في مطار «لو بورجيه» الخاص، في باريس، تنافست كل من «الجديد» و lbci، على هذه التغطية بشكل واضح. حتى إن lbci نقلت عن زميلتها «الجديد»، رسالة مراسلتها راشيل كرم، المتواجدة في محيط هذا المطار. قسمت الشاشة الى نصفين، نصف نشاهد فيه كرم، وهي ضيقة الحركة هناك، ونافذة أخرى، ذيلت عنوانها بأنها نقل مباشر من المطار الخاص الفرنسي، يظهر حركة مسافرين وعائدين. لكن في التدقيق، بان أن المطار اسباني وليس فرنسياً، ولم تجر أي من المحطتين تدقيقاً في هذا الأمر، بل ترك الهواء مفتوحاً على هاتين النافذتين.
وسط شحّ في المعلومات وتكتم الشخصيات القريبة من الحريري، التي حجت اليه منذ نهار أمس، وقع الإعلام اللبناني مرة جديدة، في فخ تعبئة الهواء، وبناء تغطية هشّة سطحية، ليس لها أي علاقة بالمهنة، بل تندرج مباشرة، ضمن صحافة التلصص، وخرق الخصوصية. هذا ما شهدناه يوم الجمعة، مع مراسلة «الجديد»، التي توجهت الى المبنى الذي يقطنه الرئيس سعد الحريري في باريس، ودخلت اليه وحاولت حتى تفتيش أوراق بريده الخاصة، وعرضها على الهواء. كرم لم تستطع ــ كما قالت ـــ دخول المنزل، لكن كاميرا المحطة اقتحمت المبنى، وأخذت تستصرح السكان، هناك، وتسألهم عن الحريري، ولجأت في نهاية المطاف الى حارسة المبنى، التي أجابت بكل حزم أن ليس لديها الحق في الإجابة،والوشاية بأسماء السكان الموجودين هناك.
كرم لم تترك أي وسيلة، من محاولة إظهار أسماء القاطنين، على لائحة «الأنترفون» على الكاميرا، الى تبيان وتحديد مكان سكن الحريري... كل هذا العمل الإستعراضي، الذي لا يشبه البتة العمل الصحافي ويبعد أشواطاً كثيرة عن الصحافة الإستقصائية، يخرق مباشرة، خصوصية الناس، فكيف إذا كان المعني الحريري الذي يعدّ وضعه السابق في الرياض، ليس سهلاً، سيما الأمني منه. بل يمكن أن يعرض حياته للخطر، في ظل ما تمارسه المحطة من سياسة الوشاية، والتلصص،و الدخول الى اماكن لا تفيد المشاهد لا من قريب ولا من بعيد.
بعده رأينا ندى أندراوس عزيز، من «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، تهرع في الشارع نحو مدير مكتب الحريري نادر الحريري، وتحاول إنتزاع منه ولو كلمة واحدة، مع تسجيل منعها المتكرر من قبل الشرطة الفرنسية. في السياق عينه، استصرح طبيب الحريري الخاص، عصام ياسين، الذي رافقه من الرياض الى باريس، علّ هذا الإعلام يسترق منه معلومة إضافية، وفشل في ذلك. توجهت كاميرا هاتف ديما صادق (lbci)، المتواجدة في باريس أيضاً، لتسجل ثواني لرئيس جهاز الأمن للحريري عبد عرب، وتسأله عن صحته ليبتسم الأخير من دون الإدلاء بأي كلمة. وبعيد طلب الحريري لقاء مع الصحافيين اللبنانيين من دون وجود الكاميرات، وشريطة عدم التحدث بالسياسية، نشطت كما رأينا تقنية الـ «إنستا ستوري»، مع صادق التي لم تجد في فرصة تصويرها للحريري من منزله، سوى الغزل (باللغة الإنكليزية)، بشكل الحريري، «you look كتير مبتسم»، ليجيبها بأنه سيأتي الى لبنان: «very soon». ومثلها فعلت كرم، مع «إنستا ستوري» شخصية على حسابها الخاص، تغنّت القناة بالإستحصال عليها، لتسأله: «شو الأجواء؟»، وتضيف: «شعور بالحرية أم لا؟». ويجيبها على الطريقة عينها بأنه قريباً سيعود الى بيروت.
هي تعبئة فراغ، بكثير من التغطية المتسمة بالخواء ولا تقدم للمشاهد أي معلومة. نشطت مصطلحات «مراقبون»، «مصادر مقربة جداً من الحريري». كاميرات التلصص من ضمنها أيضاً lbci، التي صورت عن بعد وصول الحريري مع زوجته الى منزلهما في باريس، على شاكلة «صحافة البابارازي». غابت الرواية الحقيقية بأن باريس أجرت هذه الوساطة مع الرياض وأخرجت بشروط الحريري من أراضيها، ليتوجه الى بيروت في اليومين المقبلين، وتحول إختطاف الحريري الى عبارة «أزمة»، مع تغييب كلي لما حدث في الأسبوعين الماضيين. بهذه الخفة اتحفنا الإعلام اللبناني، بتغطيته لزيارة الحريري الى العاصمة الفرنسية.