هكذا، وببساطة أصدر «فايسبوك» نسخة من الذكاء الإصطناعي مهمتها تفحص كل ما نقوم بنشره على صفحاتنا بهدف التنبه في حال قام أحد ما بنشر أفكار تدل على ميله للإنتحار. هذا النظام الجديد سيبدأ بجمع كل منشورات الحسابات من جميع الدول، ما عدا دول الإتحاد الأوروبي إذ أن قوانين حماية خصوصية الأفراد تعارض هذه التقنية الجديدة، ومن ثم سيقدم الذكاء الإصطناعي تقريراً إلى لجنة مختصة للتواصل مع أصدقاء الشخص الذي ثبت وجود أفكار «إنتحارية» في منشوراته وذلك ليطلبوا منهم مساعدته للتخلص من هذه الأفكار والحصول على عناية نفسية.
إضافة الى ذلك شكّل «فايسبوك» فريقاً كبيراً من الإختصاصيين وممن يتكلمون عدة لغات، وتعاون مع 80 جمعية للعمل على مدار الساعة للإهتمام بـ«الحالات الأكثر خطورة» (وفق تحليل الذكاء الإصطناعي)، والتي تستدعي تدخلاً مباشراً، إما عبر الاتصال المباشر بالشخص والتكلم معه من قبل مختصين في محاولة لمنعه من الإنتحار، أو عبر تحديد مكانه والتواصل مع أقرب فريق طبي للتوجه إليه.
حسناً، كل هذا جميل حتى أن الحياة تبدو الآن أكثر عدلاً؛ إلا أننا نتكلم هنا عن «فايسبوك»، أي من باع معلوماتنا لشركات الإعلانات وجنى مليارات الدولارات، وعمل على الإستفادة من فكرة الإعلان الموجّه ليحدد بدقة مخيفة ما نحب وما نكره، وما اصداره للـ reactions مثل الوجه الضاحك او العابس سوى لمساعدة أنظمة جمع المعلومات على إنشاء ملف محدد عن توجهات هذا المستخدم أو ذاك ومعرفة الإعلانات التي قد يتفاعل معها. هذه الأمور مصحوبة بالخوف من الذكاء الإصطناعي وبما نشره مؤسس «فايسبوك» مارك زوكربرغ بعيد إطلاق هذه الخدمة الجديدة عندما قال: «في المستقبل، سيكون للذكاء الإصطناعي قدرة أكبر على فهم الفروق الدقيقة في اللغة، وسيكون قادراً على تحديد مشاكل أخرى غير الميول الإنتحارية مثل الكره والمضايقة»، تثير موجة من التساؤلات عما يحاك في الخفاء وكيف أن «فايسبوك» سيصبح قادراً على تحديد الهوية السياسية للأفراد، بالإضافة لمعتقداتهم وتوجهاتهم الفكرية تحت عنوان «حمايتهم».
مع بدء «فايسبوك» اليوم بمنع الإنتحار، رغم أننا لسنا بصدد تحديد إن كان المرء حراً في تقرير إنهاء حياته أم لا، ما الذي سيمنعه في مرحلة لاحقة مثلاً من خلق ذكاء اصطناعي يعمل على تغيير التوجهات السياسية للأفراد؟ ماذا لو اعتبر أن أفكار مثل مقاومة إسرائيل أو الوقوف في وجه الطغيان الأميركي هي أفكار عبثية ولا يجب الإيمان بجدواها؟ ماذا لو استخدم «ذكاءه الإصطناعي» للتأثير في عمليات الإقتراع لتغيير رأي المستخدمين بعد أن قام بتفحص خياراتهم وتحليلها؟
الكثير من الأسئلة تطرح ولا جواب من «فايسبوك» عمن سيقوم بتحديد القيود على الذكاء الإصطناعي سوى ما قاله كبير موظفي السياسات والبرامج أليكس ستاموس في تغريدة على «تويتر» مفادها أن «فايسبوك» يستخدم الذكاء الإصطناعي بطريقة مسؤولة.

ما الذي سيمنع «فايسبوك» من خلق ذكاء اصطناعي يعمل على تغيير التوجهات السياسية للأفراد؟

بالإضافة الى ذلك قام موقع Techcrunch بالإستفسار عمّا إذا كانت لدى المستخدم الحرية في تشغيل هذه الخدمة أو إغلاقها، ليجيب المتحدث بإسم «فايسبوك» بأنه لا يوجد مثل هذا الخيار. ولكن يمكن للمستخدم أن يرفض قبول خدمة المختصين في حال كان ممن هم على وشك الإنتحار.
في شهر أيار الفائت، قدم مارك زوكربرغ خطاباً في جامعة هارفرد وُصف بأنه خطاب رئاسي وسياسي بإمتياز. إذ استعمل فيه الكثير من المفردات الخاصة بالسياسيين وتكلم عن رؤيته لكيف يجب أن تكون حياة المواطنين داخل المجتمع، لافتاً الى أن «فايسبوك» يعملون طوال الوقت على إيجاد طرق لتطوير المجتمعات من خلال التكنولوجيا.
يبدو اليوم إيلون ماسك، مؤسس شركة «تسلا» ورأس الحربة في السجال القائم حول مجال الذكاء الإصطناعي، أقرب إلى شخصية بروس واين في قصص «باتمان». أكثر من اي وقت مضى تجده يختلف مع زوكربرغ في موضوع الذكاء الإصطناعي ويصف معلوماته بأنها محدودة في هذا المجال، ليعود ويطالب، رغم كرهه للقيود، بفرض قيود وقوانين صارمة على الشركات التي تقوم بتطوير الذكاء الإصطناعي، حتى أنه غرّد في وقت سابق عن ضرورة وضع قائمة بالأشخاص الذين يجب منعهم من تطوير ذكاء إصطناعي، وذلك تعليقاً على تأسيس طائفة تعبد الذكاء الإصطناعي واضعاً أنتوني ليفاندوسكي، مؤسس هذه الطائفة والمهندس السابق في غوغل، على هذه القائمة.
الفرق بين زوكربيرغ وماسك هو انّ الأول يريد ذكاء إصطناعياً يعود عليه بالمزيد من المال وبالمزيد من السيطرة على الشعوب، في حين أن الثاني يساعد من خلال مشروعه OpenAI على خلق ذكاء اصطناعي متاح لكل الناس ليساعدهم على مواجهة الذكاء الإصطناعي «الآخر»".




معلومة

لماذا يُطلق على «فايسبوك» لقب «الأخ الأكبر»؟

عام 1949، أصدر الكاتب جورج أورويل رواية بعنوان "Nineteen Eighty-Four" قام فيها بوصف عالم بائس فيه شخص يدعى «الأخ الأكبر» big brother يرى كل ما يفعله الناس، وتروج الحكومات من خلاله جدول أعمالها عبر الدعاية والتجسس والرصد والضوابط الفكرية. عام 2017 أي بعد 68 سنة على نشر هذه الرواية ترسّخ «الأخ الأكبر» على هيئة برنامج على الكمبيوترات والهواتف، وها هو يراقب كل ما يفعله الناس ويروّج جدول أعمال الأنظمة.