شهادات | كان جلال خوري قد أخبرني قبل أسبوع فقط عن مسرحيته الجديدة «سرجون الأكادي»، وكان صوته فرحاً، متفائلاً، وقد بعث لي بنص إحدى الأغنيات وبفكرة المسرحية. لم يتوقف جلال خوري حتى البارحة عن الكتابة والإخراج والمشاركة في الندوات والانخراط في العمل السياسي. على مدى أكثر من خمسين عاماً، نحت في الصخر وزرع على أرض خصبة. خمسون سنة من النضال السياسي والفني والثقافي، ولم يتعب... حتى البارحة!
عندما كلّمني عن مسرحية «سرجون الأكادي»، قلت له: «جلال سوف أبعث لك بنص من كتاب التاريخ الذي كتبه والدي أسد الأشقر عن سرجون الأكادي». فتحمّس كثيراً وقال لي: «سأنتظر النص». لكنه لم ينتظر. جلال خوري بنى من شغفه للمسرح زخماً لتاريخ المسرح اللبناني. منذ أكثر من خمسين سنة، كتب وأخرج وتكلّم في الاختصاصات كافة، وقد كان مسرحه مسيّساً بامتياز وشعبياً أيضاً، كما تُرجمت أعماله إلى الإنكليزية والأرمنية والفرنسية والألمانية والفارسية وغيرها من اللغات. عرّف الجمهور اللبناني إلى مسرح بريخت وإلى أسلوبه، واعتمده كلغة وأسلوب لمسرحه عامة. كان حماسه ونشاطه كأنّه في العشرين من عمره. في آخر زيارة له إلى «مسرح المدينة» حيث جاء ليشاهد عملي الأخير «مش من زمان»، وهو كناية عن سرد لحياتي الشخصية مع موسيقى وغناء، قال لي: «نضال هيدا أحلى شي مقدمتيه عالمسرح». كان فرحاً كأنّه أعاد اكتشافي من جديد.
في الفترة الأخيرة، كنا قريبَيْن أكثر من أي وقت مضى. لم أعمل معه لا كممثلة ولا كمخرجة، لكن في السنوات الأخيرة، كان يرسل لي عبر الـ «واتسآب» مقالات قيّمة، سياسية وإجماعية وفنية. وقد كان عجبه كبيراً عندما كنت أجيبه عند الساعة الخامسة صباحاً بعد دقائق من استلام رسائله. لقد بعث لي مرّة، وهو الشيوعي الفذ، مقالاً كُتب عن زيارة الزعيم أنطون سعادة إلى بيتنا في ديك المحدي، وكان سعيداً بأنّه وجد لي هذا المقال القيّم. لقد خسر المسرح اللبناني والعربي قامة مسرحية كرّست نفسها في هذا الفن الإنساني والشعبي. وبهذه المناسبة الأليمة، أتوجّه بأحرّ التعازي إلى عائلته ونقابة الفنانين وكل الفنانين في لبنان والعالم العربي. جلال خوري وداعاً.