يمكن أن يتحرك جسمٌ ما إلى الأمام أو إلى الخلف، ويمكن عكس حركته. يمكن أن تدور عقارب الساعة إلى الخلف بمجرّد تشغيل محرّكاتها بطريقة معاكسة. فقوانين الفيزياء تحمل داخلها تناظراً بين اتجاهات الحركة، إذ تعتبر كلّ حركة معاكسة في المكان ممكنةً وتحكمها القوانين والمعايير العلميّة نفسها.
فيزياء الوقت

نظريّاً، يصحّ ذلك على الوقت أيضاً، إذ لو سار الزمن بالاتجاه المعاكس، لحصلت نفس الحركة التقدميّة بشكل تراجعي مثلاً ووفق القوانين ذاتها. لكنّ ذلك لا يحصل. فالزمان يسير باتّجاه واحدٍ وفق كل تجاربنا الحسّية والعمليّة. ويمكن تفسير ذلك السلوك من قوانين ميدان آخر في الفيزياء، بعيداً عن الميكانيك الكلاسيكي، تحديداً من قوانين الديناميكية الحراريّة thermodynamics. إذ ينصّ القانون الثاني من قوانين الديناميكية الحراريّة على أنّ "القصور الحراري" أو "الأنتروبيا" entropy، وهي مقياس عدم انتظام الحالة الفيزيائيّة، تميل دوماً إلى الازدياد. بمعنى آخر، هي عملية غير قابلة للانعكاس، إذ لا يمكن القيام بعمليّات فيزيائيّة تؤدّي إلى إنقاص "عدم الانتظام" بشكل عام، فلو تمكنّا من تطبيق ذلك على حالةٍ معيّنة، سيكون ذلك على حساب المزيد من عدم الانتظام في حالةٍ أخرى، والمجموع العام سوف يكون ازدياد عدم الانتظام. وبما أنّه قانون غير قابل للانعكاس، فذلك يعني أنّه غير متماثل، ويفرض على طبيعة الأشياء أن تكون غير متماثلة في اتّساقها وانتظامها مع مرور الوقت، فهي دوماً تسير باتّجاه واحد تماماً كمفهوم الزمان، لأنّها تسير باتجاه زيادة عدم الانتظام حصراً.

أمثلة واقعيّة

من السهل طبعاً كسر لوحٍ زجاجيّ وتحويله إلى أجزاء متناثرة، ومن بالغ الصعوبة تجميع أجزاء متناثرة من الزجاج وتحويلها إلى لوج زجاجي متناسق. ذلك هو المثال الأبرز على القانون الثاني للأنتروبيا. وذلك ليس مثالاً محصوراً أو حالة خاصّة. تميل كل الأشياء في الطبيعة إلى هذا النوع من الفعل.

لا يمكن القيام بعمليّات
فيزيائيّة تؤدّي إلى إنقاص
«عدم الانتظام» بشكل عام


يمكنها أن تبقى في حالتها أو أن تتّجه إلى حالةٍ أخرى أكثر "فوضى" وأقل انتظاماً من حالتها. أمّا الانتقال من حالة فوضوية إلى حالة أكثر انتظاماً، فذلك لا يحصل بشكل تلقائي، وإن وضعنا جهداً لإحداثه، فسوف يستلزم ذلك كميةً من الطاقة وعدم الانتظام في أشياء أخرى تفوق ما قد حققناه من انتظام في الشيء المنشود. جمع أجزاء متناثرة وتحويلها إلى لوح زجاجي يستوجب تسييلها وإعادة صبها في قالب جديد، وفي هذا المسار يجب حرق كميّات وافرةٍ من المحروقات لتوليد الطاقة اللازمة، وعملية حرقها تحوّلها من جزيئات منتظمة في حالتها السائلة إلى حالة أكثر فوضوية من غازات متصاعدة وحرارة متناثرة بين جزيئات المادّة المحيطة. زيادة انتظام الزجاج تستوجب إنقاصاً أكبر لانتظام ذرات المحروقات المستعملة. إذاً، لا مفرّ! الكون يسير إجمالاً نحو حالة متزايدة من عدم انتظام مكوّناته. حالة غير قابلة للانعكاس، تعطي تفسيراً قويّاً عن عدم إمكانيّة عكس مسار الزمن باتجاه الماضي الذي كان أكثر انتظاماً حتماً. تفسير جميل من نظريات تأتي من العلوم الحراريّة وليس من الميكانيك. كثيرة هي الأمثلة الأخرى.

احتمالات أخرى في الفيزياء الكمومية

لن يسخن كوب الماء من تلقاء نفسه نتيجة تفاعله مع ذرات محيطه الأبرد، لأنّ الحرارة تنتقل من الجسم الأسخن إلى الأبرد. لكن في عالم الفيزياء الكمومية، من الممكن بحسب دراسات منشورة، أن يجري العكس. يمكن أن للحرارة في ظروف معينة أن تنتقل من الجسم البارد إلى الحار ليصبح البارد أكثر برودةً والسخن أكثر سخونةً. هذا النمط الذي يعكس مسار قوانين الفيزياء الحراريّة، يعني في الوقت نفسه أنّ هناك إمكانية مماثلة لقلب مسار سهم الزمان في العالم الكمومي. جرت هذه الاختبارات في جامعة "سانتو أندريه" في البرازيل حيث عمل العلماء المختبريّون على التحكم بجزيئات "الكلوروفورم" المكوّن من ذرّات الكربون والهيدروجين والكلور. وقد شكّل العلماء هذه الجزيئات بحيث تكون حرارة ذرات الهيدروجين أعلى من درجة حرارة ذرات الكربون، عن طريق إجبارها على التواجد في حالات ذرّية أعلى. وعندما كانت ذرّات الهيدروجين والكربون غير متشابكة، انتقلت الحرارة كما نتوقّعها من الهيدروجين الأسخن إلى الكربون الأبرد. لكن عندما تمّ وضع هذه الذرّات في حالة التشابك الكمومي، وهي حالة فيزيائية مترابطة بين المكوّنين، انسابت الطاقة بشكل معاكس فازداد الهيدروجين السخن سخونةً والكربون البارد برودةً.
غير أنّ العلماء العاملين في الفيزياء النظريّة لم يتفاجأوا بالنتائج إذ كانت دراسات سابقة قد أشارت إلى أن تغيّر قانون الانتروبيا الكلاسيكي، في ظل وجود ترابط أو تشابك كمومي، ليأخذ بعين الاعتبار تلك الحالة الفيزيائية وبالتالي توقّعوا هم، قبل حصول هذا الاختبار، أن تسري الحرارة بهذا الشكل المعاكس غير الاعتيادي دون أن يتناقض ذلك في المجمل مع قانون الانتروبيا. إذ، وخلال انتقال الحرارة بهذا الاتّجاه العكسي، تحصل عمليّة موازية أيضاً وهي تناقض حالة الترابط بين الذرات نفسها بشكل يعوّض تماماً مسألة تناقص حالة "عدم الانتظام" خلال انتقال الحرارة، وليبقى مجموع العمليتيّن متوافقاً تماماً مع قانون ازدياد عدم الانتظام. وعلى الرغم من جماليّة الاختبار البرازيلي، ودقّـته، غير أنّ نتائجه لا تناقض أساس قوانين الديناميكية الحرارية، ومنها قانونها الثاني.
يأمل العلماء أن يتمكنّوا، في يوم منظور، من تطبيق هذه الخصائص على المولّدات الحرارية الكبيرة على طريق بناء مولّدات كمومية، لأنّها ستؤدي إلى تثوير طريقة عملها وكفائتها، غير أن تلك الطريق لا زالت شائكة وغير محدّدة المعالم بعد.