أمير تاج السّر! هل هذا هو اسمه الشخصي حقاً؟ لوهلة، سنظنُّ أنه اسم إحدى شخصياته الغرائبية التي تحتشد بها رواياته، لكنه، على أي حال، يوقّع كتبه بهذا الاسم، وينبغي أن نخاطبه به، أقلّه إلى نهاية هذا الحوار معه. لا نعلم من أين أتى بكل هذه الشخصيات، وكيف انتهت إلى هذه المصائر التراجيدية؟
يجزم صاحب «صائد اليرقات» بأنه لم يبتكر هذه الشخصيات، إنما التقطها من تجاربه الشخصيّة، قبل أن يعود إلى صوغ مصائرها بجرعات إضافية من التخييل. لذلك، فإن واقعيته السحرية كما تتبدى للمتلقي هي نتاج بيئة محليّة في المقام الأول، هو الذي عاش فترات متقطّعة من حياته بين أقاليم السودان وقراه كطبيب جوّال، قبل أن يضطر إلى الهجرة نحو بلاد أخرى، فيما ظلّت هذه الفضاءات تطارده بإلحاح لتدوينها وتحريرها من حقلها الشفوي بوصفها ترجيعاً لمشهديات خبرها عن كثب، سيصوغها لاحقاً بدمغة حبرٍ مختلف. عدا مخزونه الشخصي من التجارب الحياتية، لجأ أمير تاج السّر (1960) إلى مناوشة التاريخ من موقعٍ مضاد تحت بند «المتخيّل التاريخي»، ناسفاً الأرضية الأولى للوقائع لمصلحة لذّة الحكي وحدها.
هكذا اقتحم المشهد الروائي العربي بحضورٍ لافت، سواء لجهة الغزارة في الكتابة، أم لجهة الألعاب السردية وغواياتها، كما في «مهر الصياح»، و«توترات القبطي» مثلاً. روايته الأولى «كرمكول» (1988) التي رهن ساعته من أجل طباعتها، كانت بوصلته نحو السرد، طاوياً تجارب شعرية سابقة، ستجد مساربها في فضاء الرواية كحقل مجاور ومتشابك في تأثيث المناخ السحري لعوالمه. عدا عمله على الرواية، اعتنى صاحب «منتجع الساحرات» بتوثيق شبه سيروي لمشاغل الكتابة، ومتاعب المهنة وأوجاعها في نظرة موشورية ثاقبة تحفر في عمل المخيّلة وخيباتها، كما في «ضغط الكتابة وسكّرها»، و«ذاكرة الحكائين»، و«تحت ظل الكتابة». تُرجمت معظم أعماله إلى اللغات الأخرى، وكان آخرها رواية «العطر الفرنسي» التي لاقت إقبالاً نوعياً لدى الآخر. لا يعوّل صاحب «زهور تأكلها النار» (صدرت أخيراً عن «دار الساقي» ـ بيروت) على عمل النقّاد القدامى كثيراً، لافتاً إلى أهمية ذائقة قراء السوشال ميديا في الترويج للكتب وانتشارها. كما يعرّج على مخاطر بعض دور النشر في اكتساح الساحة بأعمال هزيلة أحدثت فوضى بلا ضفاف، و«إطلاق سوق كبيرة لبيع الأحلام». ملحق «كلمات» التقاه في الحوار الآتي:





■ لنعد إلى مرجعياتك الأولى، كيف اكتشفت القراءة، الكتاب الأول الذي هزّك بعنف؟
اكتشفت القراءة مبكراً جداً. كان ذلك عن طريق برنامج قرائي وضعه والدي، وهو أن نقرأ كلنا، أي أبناؤه الأطفال الذين تعلموا قليلاً وأمكنهم القراءة، كتاباً أسبوعياً، يأتينا يوم الاثنين من كل أسبوع، عن طريق صاحب مكتبة. كان يأتي حتى البيت، يلقي الكتاب من فوق الحائط، ونكون بانتظاره لنتلقفه، لأنه كان يأتي في العصر. كنا نتعارك من أجل الحصول على الفرصة الأولى. مضى الأمر حتى اكتشفت طريق المكتبات، وصرت أتجول بين رفوفها، وأشتري كتبي، وكان الكتاب الأول الذي هزّني فعلاً وقرأته بمتعة، نسخة قديمة من «كليلة ودمنة» لابن المقفّع، وجدتها في مكتبة والدي. هذا الكتاب عرّفني على صنعة الخيال فعلاً، ذلك الذي سيصبح مرافقاً لكتابتي في ما بعد. ثم قرأت «ألف ليلة وليلة» بالشغف نفسه، بالإضافة إلى كتب كثيرة جداً، في الأدب والفكر والرحلات، لكن ظلت اكتشافاتي الأولى هي ما يفرحني كلما تذكرت ذلك.


أسهمت بعض دور النشر في إطلاق سوق كبيرة لبيع الأحلام



■ من الذي قادك أولاً، إلى شهوة الحكي، هل هناك «راوي حكايات» في بيئتك الأولى وجّه خطواتك نحو الكتابة؟
نحن أصلاً قوم حكاؤون، والدي كان يحكي قصصاً على الدوام، ومواقف مرَّ بها، وكان من الممكن أن يصبح كاتباً مرموقاً، لكنه لم يفعل، لم يكن لديه حماسة للكتابة، فقد كان أباً عادياً، صارماً، في أحيانٍ كثيرة. فقط يحكي، وكنت أستمع لحكاياته بإمعان، وقد ظلّ في ذاكرتي أشياء منها إلى اليوم. أمي كانت تحكي أكثر، وكانت تتحدث عن وقائع أشبه بالأساطير، حدثت في قريتها في شمال السودان، تروي تلك القصص بمتعة وأحسبها تضيف إليها نكهة جميلة. أخوها الأكبر الطيب صالح، الروائي المعروف، ملك الحكايات. وحين كانا يلتقيان عندي في الدوحة قبل أن يرحلا، كنت أستمع لذكرياتهما التي أشبه ما تكون بالروايات، عندي إخوة يكتبون أيضاً، لكن ليست تلك الكتابة الجادة، إنما مدوّنات أشبه بحكايات الرواة الشفاهيين.

■ في روايتك «طقس»، تقول «كان لي قميص حكاياتي الفضفاض. لا أكتب تجارب لا تخصني على الإطلاق»، إلى هذا الحدّ تعوّل على التجربة وحدها في بناء المعمار الروائي؟
نعم، إلى حد ما، وما ورد على لسان الروائي في «طقس» يمكن أن ينطبق عليّ، لقد كنت وما زلت مولعاً بالابتكار، وبما يخترعه خيالي وحده. ذلك الخيال الذي أنمّيه باستمرار، إلى أن صار مع تراكم التجربة، يستجيب لي بسهولة. لا جدال أنني أستمد من الواقع معطيات كثيرة، وأوظفها، وأنني - في الغالب- أبدأ الكتابة من مواقف حقيقية، ثم أتوغل بخيالي، إنها طريقة تروقني بشدة ولا أحس بأي مشكلة معها، حتى التاريخ داخل النص يمكنني تخيّله، والجغرافيا أيضاً، وما أفعله في الروايات التي تتحدث عن فترة تاريخية ما، أنني أقرأ عن تلك الفترة، وأتعرّف إلى الحياة الاجتماعية والسياسية فيها، وشكل البيئة والاقتصاد وتفاصيل أخرى، ثم أكتب حكايتي وشخصياتي من الخيال. ستجد أحداثاً كثيرة، منها حروب ومجاعات وقصص حب لم تحدث قط، لكنها حدثت في متون رواياتي. لو قرأت «توترات القبطي» المستوحاة من كتاب القبطي يوسف ميخائيل الذي عاصر الثورة المهدية في السودان، وكتب عنها يومياته، لعثرت على تلك الإشارات التي ذكرتها، وكنت استوحيت رواية أخرى هي «مهر الصياح»، من التاريخ أيضاً، وكان تاريخاً خاصاً متخيلاً. أعتقد أن الكتابة على هذا المنوال، تتيح فرصة أكبر للكاتب في التحليق، على عكس القيود التي تفرضها شخصيات معروفة تاريخياً. ذلك أن خطواتها محسوبة في الحياة، ويصبح اختراع مسار لها أمراً عسيراً، ومغالطة قد تجرّ إلى إشكالات غير محسوبة.

■ تدين بعض الروائيين بتشويه مهنة الكتابة، وتشبههم بشخصية «عبد الله حرفش» ضابط الأمن السابق الذي راقته فكرة أن يكتب رواية، على غرار التقارير الأمنية التي كان يكتبها ببراعة، كأن روايتك «صائد اليرقات» اتهام علني لبعض الروائيين بأنهم مجرد كتبة تقارير أمنية، وفي أحسن الأحوال، فإن هؤلاء طارئون على المهنة!
لعلك تتفق معي بأن مقولة زمن الرواية التي أطلقت نكاية في الشعر، هي أيضاً، وبال على الرواية. في ما مضى، كانت كلمة روائي مخيفة فعلاً، يشعر الشخص بالتضاؤل والانكماش حين يسمعها أو حين يصادف روائياً، صاحب منجز إبداعي واضح. كانت المقاهي ملجأ للتعرف إلى الروائيين والخشية منهم، والجلوس إلى موائدهم بحذر، وقد تمر أشهر طويلة وأنت تجلس إلى مائدة أحدهم ولا تستطيع أن تتبادل معه كلمة أو تعرض له إنتاجك إن كنت تكتب. شخصياً، كنت أحس بالرهبة وأنا أجلس أمام محمد مستجاب، وعبد الحكيم قاسم، أثناء إقامتي في القاهرة، ولم أصادقهما وأصادق غيرهما إلا بعد زمن طويل. الآن لم نعد نستطيع أن نعرف من هو الروائي، ومن هو الذي ليس روائياً، كل من رغب أن ينتسب إلى نادي الروائيين بإمكانه ذلك، حتى لو كان يفتقد إلى أي مرجعية ثقافية أو أدبية. لقد أسهمت بعض دور النشر في الشوارع الخلفية، في إطلاق سوق كبيرة لبيع الأحلام، لا فرق بين الذي يكتب لأنه أصيب بداء الكتابة، والذي يكتب لأن لا شيء يستطيع فعله سوى الكتابة، من دون أن ننسى مواقع السوشال ميديا، وكلمات مثل: رائع، رائعة.. ما أجمل كتابتك. هذا الضخ المجاني أتاح أمام هؤلاء أن يرسخوا أسماءهم في اللاكتابة، وهكذا. الآن لا أستطيع العثور على كتابات حقيقية بسهولة، ولا أعرف كيف أتابع الأجيال الجديدة الموهوبة حقاً. هناك شيء نسيته وهو الجوائز الأدبية التي كثرت في السنوات الأخيرة، هذه من علامات الجذب الكبرى التي تجعل كثيرين يتخيلون بأنهم حصلوا عليها بالفعل، وفقط عليهم أن يكتبوا أي هراء. منذ أيام، سألني شاب عن مواصفات الأعمال التي يمكن أن تحصل على جوائز، أجبته بارتجال، وبكلام عمومي خطر في بالي لحظتها، لكنه أخذ الأمر بجدية، أخرج دفتراً صغيراً دوّن كلامي فيه، وقال لي: «من الغد سأبدأ كتابة رواية بهذه المواصفات حتى أحصل على جائزة».

■ ما هي أكثر شخصيات رواياتك التي تركت ندبة في روحك بعد الانتهاء من كتابتها؟ نحكي هنا عن مصائر الشخصيات الروائية، مفاجآتها خلال العمل عليها؟
نعم شخصيات كثيرة بالفعل لم أرد لها المصير الذي ظهرت به في النصوص، لكني لم أستطع تعديل مصيرها، منها شخصية «الرزينة نظر»، الأخت الرقيقة لـ «آدم نظر» بطل رواية «مهر الصياح». كانت مشروع أسطورة، لكني أنهيت وجودها في النص حتى تأخذ الأمور مجراها. أيضاً شخصية «رابح مديني» في رواية «رعشات الجنوب»، وهي من أعمالي التي اعتبرها مهمة، لكن لم يكن لديها حظ في الانتشار. كان «رابح مديني» شخصية رسمتها بدقة شديدة، إلا أنه لم يستمر طويلاً لأن كل الأحداث اللاحقة، كانت تعتمد على موته. وهناك شخصية «المرحوم» في رواية «٣٦٦»، كانت ترسم مصيرها القاتم، وأخيراً شخصية الملكة الحبيبة التافهة «نديمة مشغول» صاحبة مقهى «خزي العين» في رواية «توترات القبطي»، هذه أبكاني مصيرها فعلاً، كأنها أختي، كأنها ابنة الجيران، أو كأننا نشأنا معاً، وليست شخصية متخيّلة في نصّ متخيّل.

■ لا يمكننا تجاهل عملك كطبيب للأمراض الباطنية، وتناسل أحشاء الحكايات الواقعية في عيادتك، كم من المرضى كانوا علاجاً لشخصية ما غير مكتملة في سردياتك الروائية، ووجدت حلّاً لها في سيرة أحدهم؟
في بداياتي، حين كنت أعمل في مدينة طوكر في الحدود الإرتيرية، ذلك المكان الغاص بالأساطير والحكايات الشعبية، كان الإيحاء عظيماً من الشخصيات الموجودة هناك، وأعني المرضى الذين عالجتهم واستمعت لحكاياتهم أو الذين ألتقيهم في السوق والطرق. استوحيت مثلاً شخصيات رواية «اشتهاء» من هناك، وكتابي «سيرة الوجع» كله عن شخصيات من هناك، الآن لا ألتقط الكثير، فقط قد ألتقط فقرات معيّنة أو أسماء خاصة، ذلك أنني أعمل في مكان يحتشد بشخصيات من جنسيات مختلفة، وأسماء كثيرة غريبة، ولطالما أحببت الغرابة في الأسماء وغيرها.

■ تشير في «ضغط الكتابة وسكّرها» إلى «تأرجح الكتابة» وتفاوت السرد بين عمل وآخر للروائي نفسه، ما هو عملك الذي تعتبره بؤرة السرد العالي لديك؟
أظنني كنت أعني جمال العمل من رداءته في أسلوب الكاتب نفسه. رواية «ذكرى عاهراتي الحزينات» مثلاً، لا تشبه أعمال ماركيز أبداً برأيي، وكانت محاكاة لجميلات ياسوناري كواباتا النائمات، بالمقارنة مع أعماله الأخرى. بالنسبة إليّ، أظن أن أسلوبي واحد في كل الروايات لأنني توصلت لبصمتي الخاصة منذ زمن طويل، وأقول لك بصدق إن عملي الذي أنبهر به شخصياً، بسبب جمال اللغة وغرابة التراكيب، هو رواية «اشتهاء» التي كانت رواية منشورة في البدايات بعنوان «صيد الحضرمية» وأعدت كتابتها. إنها روايتي التي أعود إليها من حين لآخر، وهناك رواية «مهر الصياح»، عملي الذي اجتهدت فيه كثيراً.


رواية «ذكرى عاهراتي الحزينات» مثلاً، كانت محاكاة لجميلات ياسوناري كواباتا النائمات


■ إلى أي حدّ أثرى النقد تجربتك الروائية، وما المسافة بين آراء النقّاد والقراء العاديين؟
كتب عني نقاد كثر بالطبع، واحتفيت بكتابتهم حتى السلبية منها، وشخصياً لا ألوم الناقد في عدم تواصله مع الكتابات عموماً في هذا الزمن، لأن المعروض أصبح هائلاً كما ذكرت. الناقد كان في ما مضى يضيء التجربة فعلاً، والآن لم يعد الأمر ملحاً، بمعنى أن ما كتبه رجاء النقاش في ستينيات القرن الماضي عن الطيب صالح، وساعد على انتشار روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، يمكن الآن أن يفعله الكاتب بنفسه أو أي واحد من القراء في تويتر وفايسبوك. السوشال ميديا أصبحت برغم سلبيتها منابر جيدة للإعلان عن أعمال هذا الروائي أو ذاك، من الأسماء المعروفة والراسخة في المشهد الأدبي، هذا على صعيد عمل الناقد. أما بالنسبة إلى القراء العاديين، فإنني أتابعهم أحياناً، وبينهم من يكتب عن دراية فعلاً، وذائقة عالية، ومن يكتب بلا أي دراية، ومن يتداخل في أعمال لم يقرأها لمجرد أن يظهر في مداخلة.

■ هل تعرّضت بعض أعمالك لمبضع المحرّر الأدبي، وهل تأخذ ملاحظاته على محمل الجدّ؟
– لا مانع لدي من وجود محرر أدبي يفهم جوهر العمل بعمق ودراية، ويوجهني إلى مفاصل ربما أكون غفلت عنها. وحقيقة لا يوجد محرر أدبي على غرار ما هو موجود في دور النشر العالمية، الموجود فعلياً، هو مدقق لغوي أو مصحح. لكن حدث حين أردت نشر روايتي «طقس» في «دار بلومزبري»، أن الناقد فخري صالح المسؤول التحريري في الدار، نبهني إلى إشكال في نهاية الرواية، وأنها ينبغي أن تكون أكثر غموضاً. وهكذا قمت بتغييرها، وكان ينبغي أن أغيّر اسم الرواية لتلائم التغيير الجديد، لكنني حقيقة لم أنتبه لذلك.

■ تُرجمت بعض رواياتك إلى لغات أخرى (آخرها رواية «العطر الفرنسي»)، كيف تعامل القارئ الأوروبي معها بالمقارنة مع القارئ العربي؟
«العطر الفرنسي» هي أول رواية تُرجمت لي للفرنسية، والآن ظهرت ترجمة إسبانية، وأخرى فارسية، وقبلها ترجمة إنكليزية، دخلت القائمة الطويلة للجائزة العالمية للأدب المترجم. نعم هناك أعمال لي نجحت بشدة في لغات ولم تنجح في لغات أخرى. «العطر الفرنسي» نجحت في الإنكليزية ولم تنجح في الفرنسية، و«صائد اليرقات» نجحت بشدة في الإيطالية والبولندية ولم تنجح في الإنكليزية، وهكذا. لكن عموماً أصبح لدي قراء كثيرون بلغات متعددة، أظنها ثماني لغات حتى الآن، وهذا يسعدني كثيراً.

■ متى توقفت بانتباه إلى عمل روائي عربي، واعتبرته مثالاً يُحتذى؟ هل لديك آباء روائيون؟
كثيرة الأعمال العربية التي أعتبرها قمة في التميّز والإبهار بالنسبة لي، روايات عبد الحكيم قاسم كلها: «طرف من خبر الآخرة»، «المهدي»، «أيام الإنسان السبعة»، رواية «فساد الأمكنة» لصبري موسى، «ملحمة الحرافيش» لنجيب محفوظ، «بندر شاه- ضو البيت» للطيب صالح. لكن عموماً لم أتتلمذ على كاتب عربي. كنت في البدايات لصيقاً بلغة ماركيز، أعظم من كتب الرواية على الإطلاق، والآن أظن أنه باتت لدي بصمتي الخاصة التي توصلت إليها بعد عملٍ متراكم وشاق.

■ تعتني بأسماء شخصيات رواياتك وتعتبرها رافعة لمحتوى الشخصية، كما تغيّر بعض الشخصيات أسماءها لمواجهة ضغوط بيئتها، ما حكايتك مع الأسماء؟
أحب الأسماء الغريبة فعلاً، أرغب أن يكون الاسم مطابقاً لبيئته وللمهنة أيضاً، ولا أستطيع تصوّر الشخصيات إلا بأسماء تشبهها. لذلك تجدني دائماً ما أستغرب من وجود حمّال في رواية، اسمه عادل أو عصام مثلاً، وقد كتبت مرة عن جزّار اسمه هيثم. هذه الأشياء خاصة بي، وربما لا يعيرها الآخرون التفاتاً، لكني ألتفت إليها بدقّة. ولو راقبت رواياتي لوجدت مفهومي لأسماء الشخصيات، مطبقاً فعلاً.

■ تعاملت مع بعض نصوصك الأولى بوصفها تمرينات على الكتابة بدليل أنك أعدت كتابتها لاحقاً بعنوان مختلف، كما حدث في «اشتهاء» مثلاً!
هذه مغامرة طبعاً، لكني لم أخسر كثيراً لجهة المحتوى. فقط أقنعتني أن من الأفضل ترك ما كتب ونشر سابقاً، بما له وما عليه. لذلك توقفت عن ذلك، بعدما كنت سأعيد كتابة «نار الزغاريد»، أحد أعمالي الأولى.

■ ذكرت مرّة أنه خلال توقيع أحد كتبك، لم تحظ بأكثر من قارئين عابرين طيلة وقت التوقيع، لكن الأمر تغيّر اليوم، هل الشهرة تلعب دوراً في ذلك أم متانة الرواية؟
مؤكد نعم، كان ذلك في التسعينيات، خلال بداياتي الأولى، حين جاء قارئان فقط، لم يكونا يقصداني حتى. الآن أستطيع القول إن وجودي في معارض الكتب، هو حالة توقيع دائم، حتى لو لم أقصد ذلك، بمعنى أن القراء يستوقفونني من أجل التوقيع، على أحد كتبي التي اقتنوها.

■ يشكو بعض الروائيين من هدر حقوقهم المادية لدى دور النشر، كيف تقيّم مثل هذه العلاقة على صعيد شخصي؟
معظم دور النشر العربية تتعامل مع الكاتب بجفاف، وبعضها يعتبره عدواً، إن تجرأ وطالب بحقوقه، أنا أتقاضى حقوقاً، لكن بالقطع لن تعولني، في حال تهورت وهجرت عملي الأساسي كطبيب، لأتفرغ للكتابة وحدها، لذلك تجدني مضغوطاً أعمل موظفاً، وأواصل هذه اللعنة التي تسمى مجازاً كتابة.

■ هل لديك فكرة رواية أجلّت العمل عليها لأسباب رقابية أو حياتية؟
على الإطلاق، كل نصّ تخطر فكرته في بالي ويتبلور في ذهني وأعثر على بداية جيدة له، أشرع في كتابته فوراً، بغض النظر إن كان سيعجب أحداً أم لا.