واشنطن | تصف استراتيجية الرئيس دونالد ترامب للأمن القومي عالماً مقفلاً بالمنافسة الاقتصادية المستمرة، ولا تخصص سوى القليل من الآليات لتحقيق بعض الأمور مثل «تعزيز الديموقراطية» في الخارج. وبدلاً من ذلك، فهي تركّز على المنافسة الكبرى على السلطة، والمنافسة الاقتصادية، والأمن الداخلي. ووصف عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في البيت الأبيض الوثيقة بأنها جرعة من «الواقعية المبدئية» في «عالم منافس على الدوام».
وفي ما يشبه عودة إلى منطق الحرب الباردة، تصف الوثيقة كلاً من روسيا والصين بأنهما «تتحديان القوة والنفوذ والمصالح الأميركية، في محاولة لتقويض الأمن والازدهار الأميركيين»، مضيفاً أن البلدين «مصمّمان على جعل الاقتصادات أقل حرية وأقل عدالة». وتقول الوثيقة إنه يتعيّن على الولايات المتحدة «إعادة النظر في سياسات العقدين الماضيين ــ السياسات القائمة على افتراض أن المشاركة مع منافسيها وإدراجهم فى المؤسسات الدولية والتجارة العالمية ستحولهم الى جهات فاعلة حميدة وشركاء جديرين بالثقة». وتتناول الوثيقة ما تسميه «الحرب الاستباقية». غير أن إجابات المسؤولين الأميركيين الذين عرضوا مضمونها القائم على 55 صفحة، للصحافيين يوم الأحد، اتّسمت بالغموض حول كيفية معالجتها لمفهوم «الحرب الاستباقية» في أماكن مثل كوريا الشمالية وإيران.

أحد مسؤولي البيت الأبيض: الأمن الاقتصادي الأميركي هو الأمن القومي
وقال أحد المسؤولين «إننا لا نستخدم مصطلح الاستباقية، ولكننا سندافع عن مصالحنا وقيمنا الوطنية عندما نتعرض للتهديد». وتنطلق الوثيقة أيضاً من فكرة «تعزيز الديمقراطية» التي تعتبر تقليدياً حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقال أحد مسؤولي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إن العلاقات الاقتصادية ستوجه إدارة ترامب، بينما «في نهاية المطاف، هي اختيار الدول في كيفية حكمها». وقال إن «الأمن الاقتصادي الأميركي هو الأمن القومي».
وفي ما يتعلق بتغيّر المناخ، تتجنّب الوثيقة تناوله بوصفه، كما كانت تؤكد عليه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أحد التهديدات الرئيسية التي تواجه الولايات المتحدة. وعوضاً عن ذلك، تجري مناقشة المناخ في سياق أهمية البيئة والإشراف البيئي. وهذا الموقف يتعارض مع اعتراف «البنتاغون» منذ فترة طويلة بأن تغيّر المناخ يمثل مشكلة. وأشار أحد المسؤولين إلى أن الاستراتيجية الجديدة «مستوحاة من خطاب الرئيس ترامب»، والذي أعلن فيه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس حول المناخ.
ولكن ترامب أظهر تناقضاً في مواقفه حيال هذه المسألة، حين وقّع الأسبوع الماضي على مشروع قانون الإنفاق الدفاعي لعام 2018، والذي ينص على أن «تغيّر المناخ يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي للولايات المتحدة»، ويدعو «البنتاغون» إلى تقديم تقرير إلى «الكونغرس» في غضون عام وإدراج المنشآت العسكرية العشر الأكثر ضعفاً، والخطوات الواجب اتخاذها لضمان استمرار عملها.
وينتظر أن يعقب الإعلان عن استراتيجية الأمن القومي إطلاق سلسلة من الوثائق الاستراتيجية، مثل استراتيجية الدفاع القومي، ثم مراجعة الموقف النووي والاستراتيجية الوطنية للدفاع البيولوجي ومراجعة الدفاع الصاروخي. ويتوقع أن يجري الإفراج عن كل هذه الوثائق تباعاً في أوائل العام المقبل.
وتنقسم وثيقة استراتيجية الأمن القومي إلى أربعة بنود رئيسية:
• حماية الوطن التي ستشمل التركيز على أمن الحدود وإصلاح نظام الهجرة والتعامل مع «الإرهابيين الجهاديين»، ومواجهة التهديدات في مصدرها، كذلك نظام الدفاع الصاروخي.
• تعزيز الثقة الأميركية عبر «إعادة تنشيط الاقتصاد لصالح العمال والشركات الأميركية، وهو أمر ضروري لاستعادة قوتنا الوطنية»، وتطوير «مجالات البحث والتكنولوجيا والابتكار... على أن تستخدم الولايات المتحدة هيمنتها على الطاقة، لضمان أن تظل الأسواق الدولية مفتوحة».
• الحفاظ على السلام من خلال القوة (استناداً إلى الشعار الكلاسيكي للرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان). ويغطي هذا القسم «إعادة بناء القوة العسكرية لضمان بقائها متفوّقة»، والحرص على «توازن القوى في المناطق الرئيسة: أوروبا والشرق الأوسط ومنطقتي المحيطين الهندي والهادي»، إلى جانب اعتماد أميركا على تضخيم قوتها عبر حلفائها.
• تعزيز النفوذ الأميركي، عبر التركيز على «نهج جديد للتنمية» التي يمكن أن تبني «شراكات مع دول متشابهة التفكير، لتعزيز اقتصادات السوق الحرة، ونمو القطاع الخاص، والاستقرار السياسي، والسلام».
وتركز الوثيقة على الاقتصاد كقضية أمنية قومية، ويجري تنسيقه في جميع أقسام الاستراتيجية، مع الإشارة إلى «التهديد الخطير للملكية الفكرية» الذي تشكله الصين. وقال أحد المسؤولين: «إننا ننظر إلى الإجراءات التي يتعين اتخاذها لحماية قاعدة الأمن الصناعي». وأشار إلى أن شعار «أميركا أولاً» لا يعني أميركا وحدها. وهو ما روّج له بشدة مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، في «منتدى ريغان للدفاع»، في وقت سابق من هذا الشهر. بل إن الوثيقة تؤكد الحاجة إلى اتفاقيات تجارية عادلة ومتوازنة بين الولايات المتحدة وشركائها في الخارج. وتدعو أجزاء أخرى منها إلى تحديث حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة، تماشياً مع النداءات السابقة من ترامب.