ينتهي العام تحت راية القدس التي كشفت عري المثقف العربي، وتتازلاته، واستسلامه للسراب الليبرالي، وسبل الخلاص الفردي، والنجاح بموجب عقد فاوستي مع الشيطان. يوماً بعد آخر تتكشف عواقب الربيع المسروق الذي أعلن نهاية النخب القديمة، واستبدل بها جيلاً من موظفي المجتمع المدني وضحاياهم المدجنين.
من الخواء تنبت التجارب الجديدة، وسط خيانة المثقفين، وتراجع المشاريع التقدمية. الإبداع العربي، طالع، أكثر من أي عام مضى، من رحم العذاب، والموت، وعنف مبرمج هو هدية العالم المتحضّر لشعوبنا. الثقافة العربيٌة، تتحسس ملامحها وأدواتها وخطابها، في ظل هيمنة أنماط إنتاج جديدة، تسعى إلى تدجينها وتسليعها وتعقيمها واحتوائها.
انحسار الجراد الأسود مع سقوط داعش، لم يترك وقتاً للاحتفال... فالكل منشغل بإحصاء الضحايا، ورتق أشلاء الأوطان، وحصر الخراب العظيم. الطاعون يحاصر طيبة المعاصرة، اليمن والبحرين تحت رحمة الوحش، وسوريا والعرق تبحثان عن سبل الخروج من الكابوس. فيما الخليج يحورب، وليبيا ضائعة في المتاهة، ودول الربيع العربي تسأل عن المستقبل. ومملكة القهر، مصنع الأصوليات التكفيرية، تختبر الانفتاح السطحي والإصلاح الوهمي، وترقص العرضة الاسرائيلية حول «الدب الداشر». مثقفو تونس يقفون ضد الرقابة. ومصر الرسمية تبتعد، أكثر فأكثر، عن فلسطين... هناك، في الأراضي المحتلة، القهر يبقى عنوان المرحلة، النخب تتهاوى، والمثقف المشتبك يعانق الموت، والصبية الشقراء الباسمة، من سجنها الصغير تعيد رسم خريطة الأمل، وهي تطبع صفعة على خد الجلاد. 2017 سيبقى أيضاً في الذاكرة عام استفحال مخاطر التطبيع الثقافي، من تونس إلى بيروت، وسط تواطؤ النخب، أو استقالتها، أو لامبالاتها واستلابها. في بيروت التي تغلبت مرتين على غال غادوت، بطلة هوليوود الصهيونية، بات اختراق المثقفين هدفاً اسرائيلياً استراتيجياً يُجنّد له العملاء. نعم، للأسف، اسم زياد عيتاني تردد على كل الشفاه، وسط شهقات الاستغراب، وتمتمات الخيبة. ترى، كم مثقفاً وكاتباً وصحافياً وفناناً و «ناشطاً» ثقافياً…جندت «إسرائيل» في لبنان خلال عام 2017؟