تغيير قانون الانتخابات، من نظام أكثري إلى نظام نسبي، لم يُبدّل واقع أنّ دائرة البقاع الأوسط الانتخابية لا تزال الأصعب. أمورٌ كثيرة تؤدي إلى تعقيد المشهد: تعدّد القوى السياسية والجماعات الطائفية، الصراعات السياسية بين هذه الأطراف وصعوبة نسج التحالفات، والسباق من أجل «تثبيت الوجود»، ولا سيّما من قبل الشخصيات الكاثوليكية، حيث إنّ هذه الهوية الطائفية تُشكل عصبية في زحلة، وتحتل حيِّزاً مُهماً من الصورة العامة.الحديث الانتخابي لم يتوقف يوماً في المنطقة. يخفت وهجه أحياناً تأثراً بالتطورات السياسية في البلد. ولكن يُمكن القول إنّه منذ وفاة النائب السابق الياس سكاف، في تشرين الأول 2015، ومكونات البقاع الأوسط تبحث في سيناريوهات «ما بعد البيك». قبل خمسة أشهر من تاريخ الانتخابات، بدأ يستعر النقاش في الشارع الزحلاوي. أرخت، ما باتت تُعرف بـ«أزمة سعد الحريري»، ذيولها على البقاع الأوسط، ولا سيّما على وضع القوات اللبنانية التي بات أُفق التحالفات أمامها ضيّقاً، باستثناء إمكانية التوافق مع حزب الكتائب. أما بالنسبة إلى التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، فقد أصبحا أقرب من أيّ وقت مضى إلى نسج تحالف، لم يظهر بعد ما إذا كان سيضمّ حزب الله وحركة أمل، مع ترجيح أن يشكّل الثنائي لائحة مُستقلة يتحالفان فيها مع النائب نقولا فتوش.

في حين أنّ الكتلة الشعبية، برئاسة ميريام سكاف، تتجه إلى تشكيل لائحة منفردة.
لا تزال الأحزاب والشخصيات السياسية تتريّث في الكشف عن أوراقها، وتؤجل الأمر إلى هذا الشهر. ولكن، كلّما اجتمع سياسيان معنيان في دائرة البقاع الأوسط، يكون الحديث النيابي ثالثهما. هكذا حصل في اللقاء الأخير، قبل أيام، بين الحريري وسكاف، وأعادت خلاله الأخيرة طرح شرطها بالحصول على ثلاثة مقاعد من اللائحة: الكاثوليكي (مقعدها)، الماروني والأرثوذوكسي. فيما ذكّر الحريري بنيته الحصول على مقعدين. إلا أنّ مصادر تيار المستقبل تؤكد لـ«الأخبار» أنّه يجري التعامل مع سكاف كمرشحة وحدها، «فنحن نريد الحفاظ عليها، ولكن لن نقبل أن تؤسس كتلة نيابية على حسابنا». أما النائب عاصم عراجي، فلا تزال الصورة لديه غير واضحة: «زحلة صعبة، هناك الأحزاب والعائلات وحيثية كلّ منها».
لم تكتفِ سكاف بتحديد الحصّة التي تريدالحصول عليها، ولكن انتقلت إلى مرحلة تسمية مُرشحيها، وعُرف منهم الصحافي جوني منيّر عن المقعد الماروني. هذا الأسلوب هو «لتقول للأطراف الأخرى إنّها لن تفاوض على هذا المقعد»، بحسب مصادر الكتلة الشعبية. وخلال عشاءٍ نظّمه منيّر في منزله، قبل أسابيع، بحضور السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبيكين وسكاف والمدير العام لشركة ​كهرباء زحلة​ ​أسعد نكد وعدد من الزحلاويين، كرّرت إصرارها على ترشيح منيّر، الذي يُقال إنّه لا يزال في مرحلة درس خياراته. تُدرك سكاف جيداً أنّها بترشيح شخص عن المقعد الماروني تقضي على إمكانية التحالف مع التيار الوطني الحر، الذي من المفترض أن يُرشح النائب السابق سليم عون. يقول الأخير إنّه «لا تواصل مُباشراً مع سكاف، بل عبر أصدقاء وحلفاء. بعض المواقف التي تُطلقها لا تُشجع في إجراء الاتصال المباشر».
التيار العوني لم يحسم أيضاً أسماء مُرشحيه، ولو أنّه بالنسبة إلى الرأي العام، ستضم اللائحة البرتقالية، سليم عون وميشال الضاهر (المقعد الكاثوليكي) وسيزار المعلوف (المقعد الأورثوذكسي). ومن «الخبريات» التي يجري تناقلها، ارتفاع نسبة التوافق بين العونيين وفتوش، «وفي هذه الحالة، لن يقبل الضاهر الترشح مع التيار، لاشتراطه سابقاً أن لا يكون شريكه الكاثوليكي على اللائحة سكاف أو فتوش. وإلا سيلجأ إلى تشكيل لائحة من المستقلين». إلا أنّ عون ينفي علمه بتحالف مع فتوش، مؤكداً «أنّنا نعتبر الضاهر من الذين يمكن التعاون معهم». مع تيار المستقبل، هناك أيضاً «اتفاق على أن نكون سوياً في كلّ لبنان، لأننا نبني علاقة للغد». ولكن، هناك العديد من العقبات لجهة «عدم القدرة على جمع كلّ حلفائنا». القصة تتعلّق بحزب الله، الذي سيُشكل انضمامه إلى اللائحة إحراجاً لتيار المستقبل. يستدرك عون بالقول إنّ «إمكانية حلّ العقبات موجودة. ولكن إذا لم نتمكن من ذلك، فوجودنا على لائحة مع أحد الطرفين لا يعني أنّنا ضدّ الثاني. سيكون ذلك بالتنسيق بيننا». أما القوات اللبنانية، فهي «لا تُبدي رغبةً بالمشاركة في أي تحالف، لاعتبارها أنّها تضمن أحد المقاعد السبعة، وتعمل على الكسر الانتخابي للحصول على مقعد ثانٍ»، يقول عون.
لم تكن قوات زحلة بمنأى عن دفع فاتورة موقف قيادة معراب من أزمة الحريري. تُعاني من مشاكل غير سهلة، ولا سيّما الافتقار إلى «المغاوير» الذين ستخوض بهم الانتخابات. وعلى رغم تأكيد الطبيب ميشال فتوش لـ«الأخبار» أنّ القوات «ستعلن نهاية كانون الثاني المقبل ترشيحنا من زحلة»، تنفي مصادر الحزب في زحلة ذلك: «بإمكان الحكيم (فتوش) أن يقول ما يريد، ولكننا أبلغناه أنّ وضعه غير محسوم، ولدينا خيارات أخرى كهيكل العْتِل». الاحتفال الذي ستُقيمه القوات بعد الأعياد «سيشمل إعلان كلّ مُرشحينا». ومن المتوقع أن يكون المُرشح عن المقعد الأورثوذكسي الياس أسطفان (نسيب الوزير السابق سليم وردة)، بعد أن تعثرت المفاوضات مع السفير السابق أنطوان شديد، إضافة إلى النقيب بوغوص كورديان عن المقعد الأرمني. مُشكلة ميشال فتوش، بحسب مصادر القوات، أنّ «ثلث شارعنا غير راضٍ عن ترشيحه، لأنّه أولاً من عائلة فتوش، وثانياً بسبب رغبة المحازبين في ترشيح مناضلٍ منهم. ولكن، في زحلة المتطلبات من المرشح كثيرة، ولا يوجد أحد من الكوادر يملك المواصفات اللازمة». قيادة القوات تبدي حماسةً للتحالف مع حزب الكتائب. «بدأت الأمور تتحسن بيننا»، تقول مصادر القوات، وفي هذه الحالة سيبقى النائب إيلي ماروني هو المُرشح. لا تزال الأمور في بداياتها، ويُنقل عن النائب سامي الجميّل أنّه يقبل إذا «استقالت القوات من الحكومة»، وهو الشرط الذي قد يفاوض لتجاوزه. والشرط الثاني، «أن لا يكون حزبه ممرّ عبورٍ لمرشحي القوات، بل أن يكون هناك اتفاق لتوزيع المقاعد في الدوائر الانتخابية».