صفحات الإبداع من تنسيق: أحلام الطاهر

1

أمشي في قاعة أعرفها جيداً
الجدران عالية
والسقف قباب من زجاج
فقاقيع سماوية
لا ترى الشمس
بين الفقاعة والأخرى
مسيرة الجنس البشري
من خلق آدم
إلى يوم الحساب
ألف مائدة مستديرة
على كل مائدة سبعة أشخاص
أمام الواحد منهم كتب وأوراق وشاشة بيضاء
على الجدران كتب تفوق الحصر
وعلى الأرض رخام
كأنه إسفنج
هدوء تام
هدوء ممل في الحقيقة
لذا،
أحياناً،
أستبدل المكان
بحجرة فوق السطوح
ترى الشمس والخلق بالنهار

وبرج القاهرة
بالليل
وحوله هالة من الدخان والتراب
تضيء وجهي
لوحة إعلانات كبيرة
أحمر
وأزرق
بالتتابع
ولي حرية الانتقال
بين هذا
ومكتبة الدير في «اسم الوردة»
أو دار الحكمة في قلب بغداد القديمة
ربما أوغل في الزمن
- في المرة القادمة مثلاً -
وأعود إلى مكتبة الإسكندرية قبل حريقها الأول
في آخر القاعة سلم يقود إلى تحت
بهو دائري
أبواب عملاقة
وراء كل باب قاعة للمحاضرات
من هنا تخرج أفكار العالم الكبيرة
- كيف تحصل على خمسة أطنان من فراء المنك في ساعتين
- كيف تكون صديقاً للبيئة في عشر دقائق
- لماذا ينقرض وحيد القرن
- كيف ننقذ أطفال المجاعة من صعوبة التنفس
- الحق في الموت الرحيم
- لماذا نمسح مؤخرة الحياة بمنديل نظيف
- إمكانية الحياة في المريخ
إلخ
وأنا أبسط من ذلك
أنا
ضائع في «ألف ليلة»
في الجوع الجنسي لدى شهرزاد
في الحكاية الأساس
من حق الملكة أن تنام مع العبيد في حفل جماعي
ومن حق شهريار أن يقطع هذه الإيور الكبيرة
ورأس كل النساء
وأن يرى الدودة في أصل الشجرة
مثلما ترى شهرزاد أن الحب مرض عقلي
والشهوة دودة في عنق الرحم
تقتلها
حبة جميلة حمراء
عين عفريت
تضاف إلى البخور
أتخيل أن لشهرزاد مؤخرة عظيمة
تقيمها إذا قعدت
وتقعدها إذا قامت
أتخيل أنها برازيلية الصنع
منحة السامبا
وكرة القدم الجميلة
ما الشاعري في ذلك؟
تخيل أنك حلمت بكل هذا عشرين مرة مثلاً
بعدها ستؤمن مثلي بشاعرية التكرار
وحتى مرة واحدة تكفي
حلم اليقظة دائماً شاعري
أما حلم النائم
فله الله
وأريكة فرويد

2

هل سيكون غريباً الآن أن أقول- مثلاً:
قضيت ساعتين أو أكثر
أسأل جوجل عن «حكاية زرقاء»
فيجيبني بزرقاء اليمامة
وأنا لا أحبها
ولا أصدق أنها ترى على مسيرة أيام ثلاثة
ولا أصدق أيضاً أنّ رجلاً واحداً
جاوز أو قارب المائة
ختن نفسه بنفسه
وجاء من صلبه
هذا العدد اللانهائي من الأنبياء
أبانا الذي في كل وقت
وفي كل مكان
هل هذه حكاية زرقاء؟
في القاموس: حكاية زرقاء تعبير فرنسي
هو نفسه عند الإنجليز حكاية خرافية
ونحن- كما تقول مارجريت يورسينار -
مؤهلون لسيرة ذاتية
فقط
وليس بِنَا طاقة لتقشير البصل
وغاية ما نعرفه عن النظافة
أن نعيد توزيع الوسخ
أو نداريه تحت سجادة ملونة وغالية
أو نعمل منه كومة صغيرة
نتركها أمام الباب
ربما تكنسها الريح أو الأحذية الثقيلة
أبانا
الذي في كل وقت وفي كل مكان
ابعث فينا من يكتب سيرة ذاتية للانقراض
أبانا
افعل شيئاً
نحن ننتظر

3

منذ عامين وأنا أنام - مثل ربات البيوت -
قبل أن تلمس رأسي الوسادة
منذ عامين
وكل شيء هادئ
في «المقطم»
هادئ كبئر عاطلة
وهذا وصف قديم في رواية
أو في قصة قصيرة
طق
صوت حجر في المياه
طق
بالأمس أنهيت «ظل الريح»
ترجمة جميلة، بها أثر من «اسم الوردة»،
أثر من «العطر»
ومائة صفحة زائدة
ابتعد النوم
عشر صفحات من «جهل» كونديرا
عشرون صفحة من «كتاب اللاطمأنينة»
ابتعد النوم أكثر
كان مفترضا أن أكون ناجحاً
أصحو قبل الشمس
وأقضي نصف اليوم في غرفة العمليات
وفيما تبقى
أنسى المادة الفعالة
وأكتب الاسم التجاري
كي أحظى بسمعة طيبة
وعطلة مجانية في منتجع سياحي
كان مفترضاً أن أكون ناجحاً
أباً لثلاثة أبناء
وزوجاً لامرأة واحدة
يعمل في بلد بعيدة
ويراهم مرة أو مرتين كل عام
كان مفترضاً
ألا اكتب هكذا
ألا أكتب أي شيء من الأساس
أن أجمع ما كتبت في مخطوط واحد
أوصي بحرقه مثل كافكا
أن أكون غامضاً
ومشهوراً بعد موتي
أخبئ الشر في جيب البنطلون
والعصافير في بطني أو في لوحة الرسام
كان مفترضاً أن أنام
ست ساعات بعمق كل يوم
أن أصحو بابتسامة طيبة على شفتي
كمهندس على سقالة العالم
يختصر العمران في الحديد وواجهة من زجاج
غاية في الذكاء
ترى من خلاله
رفة طائر بعيد في الهواء
وتعمى
عن الخراب
في الداخل

4

جسد على طاولة العمليات، لا ترى الرأس من وراء الساتر السماوي. البطن مفتوح كعلامة مرسيدس،
الجراح يكاد يكون بلا رأس من فرط الانحناء، والماء يقطر من يديك. ماذا تفعل في ضربات القلب؟ في ساقين نزلت عليهما لعنة الخشب؟ في تفاحة آدم وهي تعلو وتهبط غرقانة في الريق؟ في رعشة حقيقية وأنت تدخل ذراعيك في الأزرق السماوي؟ تهمس الممرضة في أُذنك - وهي تغلق رداء العمليات من الخلف: المرة الأولى صادمة بالفعل، لا تخف، بعد قليل ستحمل كلية صاحية في يديك، سأكون خلفك، وفي يدي علبة الثلج، ساعة وينتهي حصاد كل شيء.
تدخل، يداك الآن في الجرح الكبير
تمسك المقص
تقص
لا مجال للخطأ
المروحية تحط على سطح البناية
نبدأ التبريد
فريق القلب يدخل من يمين الغرفة الكبيرة
وفريق الكبد في الكواليس
في غمضة عين
تأخذ علامة المرسيدس شكل الصليب
درفتين من الضلوع
وبينهما قلب
وردي
نابض
في مكانه
يزيحك واحد من مكانك
تعود إلى الوراء
تجلس
ساقاً فوق ساق
وتذكر
في يوم عطلة كهذا سنة ١٩٦٧ منحت امرأة - لأول مرة - قلبها لرجل يموت، عاش الرجل نفسه أسبوعين بعدها، أسبوعين، أو ثمانية عشر يوماً، كانت كافية ليدخل ابن عازفة الأوريجون وزوجة القسيس تاريخ القلوب: بقليل من الحب والكثير من الكراهية الصريحة. ما الحياة؟ وما هو الموت يا أصدقائي؟ وما الخيار: أنت الآن في غابة وراءك أسد وأمامك نهر مليء بالتماسيح؟ غالباً سترمي نفسك في النهر آملاً في النجاة. هذا رجل أفريقي، أفريقي أبيض، عائش بين الغابة والمحيط. كيف التوت هذه الأصابع من قسوة الأمل والروماتؤيد؟
الآن، والقلب يذهب للجنوب، والكبد في طريقه إلى حافة الأرض، والقرنية إلى بنك العيون، تعوم الكليتان في الثلج. وعليك قبل أن تغادر، وقبل أن تحكم خياطة الجرح الكبير، ولكي يبدو كاملاً في عيون مودعيه، أن تحشو جسداً فارغاً بلفائف الشاش والكثير، الكثير من القطن.


5

بالأمس ماتت أمي
هذه جملة الافتتاح في رواية «الغريب»
وربما لا
فأمي قد تكون ماتت اليوم
لا أدري
واسمي قد يكون إبراهيم، لا دخل لي في ذلك
هذه -أيضاً- جملة الافتتاح في رواية أخرى
حذفت اسم البطل
ووضعت اسمي
ربما أجد لنفسي موضعاً في كتاب أو في جملة مفيدة
لا يندهش الصغير في آخرها
من التشابه اللفظي بين الحرية والحرير
بين الأعاصير والعصائر
أو بين دوامة في البحر
وأرض رخوة تبتلع كل شيء
بالأمس ماتت
وربما قبل شهرين من الآن
لا أعرف كيف انسحبت روحها من بيننا
يدها في يد أختي
والمحلول الملحي في ذراعها
بطيء
وبارد
جبينها كان دافئاً قليلاً
وأصابعها جليد
لا أعرف
ماذا يتقن البشر من المواعيد
غير هذا
هل كانت على يقينها القديم
أن البيوت تشبه ساكنيها
وأنني آخذ الطريق الطويل إلى البيت دائماً
مثلما قال المغني
لست مرهقاً
يا صغيري
لكنك تعرف أن الطريق من «الباليه» إلى «الهيب هوب»
مليء بالسيارت النافقة
وتعرف أنني -حتى هذه اللحظة-
لم أجد لنفسي موضعاً
في البيت
أو في الزحام

* شاعر مصري ـــ من مجموعة غير منشورة بعنوان «غيبوبة الفحم مهنة الحجر»