ترجمة: رشيد وحتي
سنختزل الفن في أبسط تعبيراته، ألا وهو الحب. [أندري بروتون.]

■ ■ ■



المجنون حالم يقظ، والحالم مجنون راقد. [جويس منصور، من حوار مع فيليب سولرز، خريف 1967].

■ ■ ■



المسمار منغرس في وجنتي السماوية، القرون التي تنمو خلف أذني، جراحي النازفة التي تلتئم أبداً، دمي الذي يصير ماء، الذي يذوب، الذي يضمخ، أطفالي الذين أخنقهم وأنا أستجيب لرغباتهم؛ كل هذا يجعل مني سيدكم وإلهكم.




دعني أحبك. أحب طعم دمك الثخين. أحفظه طويلاً في فمي الأدرد. اضطرامه يحرق حلقومي. أحب عرقك. أحب مداعبة إبطيك الرقراقين فرحاً. دعني أحبك. دعني أنشف عينيك الـمطبقتين. دعني أخرقهما بلساني الـمدبب، وأملأ تجويفيهما بلعابي الظافر. دعني أعميك.

■ ■ ■


مكائد يديك العمياء فوق نهديّ المرتعشين، الحركات البطيئة للسانك المشلول في أذنيّ المجيّشتين للعواطف، كل فتنتي الغارقة في عينيك دونما بؤبؤيهما، الموت في بطنك وهو يلتهم دماغي؛ كل هذا يجعل مني آنسة غريبة.

■ ■ ■


رجل مريض بألف فواق، رجل مرتجّ بأفكار مملاة، مملاة من طرف ظله الذي يتبعه دون توقف، المستعد لالتهامه في لحظة دون شمس، المستعد ليصير سيد شهوته، المستعد لجرجرته عبر الفضاء. رجل بلا جذور صار نجماً.




كنت تجلس مرتاحاً على دب أسود. كنت تقطع مزقاً من إهاب بأصابعك البراقة ضداً على السماء النازفة. وبينما كنت تخلق عالماً جديداً، كان الثلج يساقط.

■ ■ ■


في القطيفة الحمراء لبطنك، في سواد صرخاتك السرية ولجت. والسماء تتأرجح باكية منشدة. بينما أنتظر مفعول السم، دم جني هو صفراء المعدة المبصوقة، المبصوقة من طرف حيوانات مذبحة.

■ ■ ■


فتحت رأسك لقراءة أفكارك. قضمت عينيك لتذوق رؤيتك. شربت دمك لمعرفة رغبتك. ومن جسدك المرتعش صنعت قوتي.

■ ■ ■


بين أصابعك فمي. بين أسنانك عيناي. في بطني إيقاعك المفترس يقشر جسدي بأحاسيس نيئة.

■ ■ ■


اختلقت امرأة الشمس بين طياتها وكانت يداها جميلتين تسرّان الناظرين. كانت الأرض تنفتح تحت رجليها الخصيبتين وتشتملها بنفسها البرتقالي ملقحة السكينة هكذا.





لشعرها الحناوي عبق المحيط. الشمس الغاربة تنعكس على الرمل الميت. الليل يتمدد على فراشه الأبهة، بينما المرأة اللاهثة المرتعشة تتلقى بين ساقيها المنثنيتين القبل الأخيرة لشمس تحتضر.

■ ■ ■


تحب النوم في فراشنا المخرمش. عرقنا العتيق لا ينفرك. إزاراتنا الموسخة بأحلام منسية، صرخاتنا التي تضج بها الغرفة المعتمة؛ كل هذا يهيج جسدك الجائع. وجهك القبيح يشرق أخيراً لأن رغباتنا أمس أحلامك غداً.

■ ■ ■


ثمة امرأة جالسة أمام مائدة مكسورة، والموت يأكل أحشاءها. لا شيء في الدولاب. متعبة من كل شيء حتى من ذكرياتها. تنتظر والنافذة مفتوحة الضوء ذا الألف وجه: الجنون.

■ ■ ■


بين صخرتين حادتين تحيا امرأة مكسورة. في البلاط المكسو بالآس، ثمة رجل صار لها جذر ضارب في التراب. حيوانات الليل والأحلام تطعمها أغاني مفقودة. هي تنتظر هناك انطفاء السماء لتحرير الأبد.







أرفعك بين ذراعي لآخر مرة. أضعك على عجل في نعشك البخس. يرفعه أربعة رجال على الكتفين بعدما سمّروه على وجهك الشاحب، على أطرافك الجزعة. ينزلون في الأدراج الضيقة وهم يجدفون، وأنت تتحرك في عالمك المحدود. هامتك المفصولة عن حلقومك المقطوع بداية الأبد.

■ ■ ■


عصافير صغيرة ترفرف بأجنحتها تحت إهابك المشدود في عينيك العميقتين مجنونة بالخوف الذي يزحزح السماء غير مفكرة إلا في طيراناتها فيما مضى كفرائس حية لصياد طيور أحمق.








ثمة قوقعة تتدحرج فوق شاطئ خلاء يداعبها إصبع ألهاه البحر الذي يترك من خلفه أثره المهذار الذي يجذب العدو رغماً عنه. يقترب يثبتها بيد فضولية، يخرج روحها من فراشها الناعم ويمتص احتضارها.

■ ■ ■


رذائل الرجال مرتعي. جراحهم قطع حلوتي اللذيذة. أحب مضغ أفكارهم الدنيئة لأن بشاعتهم مكمن جمالي.


* جويس منصور: شاعرة مصرية [باودن في إنكلترا، 1928 - باريس، 1986]. من وجوه الحركة السوريالية الأساسية التي تجددت بها دماؤها بعد الحرب العالمية الثانية، ضمن ما اصطلح عليه باسم: «الرَّكْبِ الثالث»، بعد جيل المؤسسين وجيل ما بين الحربين. بقيت وفيةً لشخص وطروحات أندري بروتون حتى وفاته وحَلِّ الحركة.

كل الرسومات للسوريالي الفرنسي أندري ماسّون