لانتخابات 6 ايار فضائل اخرى تزاد الى اولاها، وهو قانون جديد للانتخاب يختبره اللبنانيون للمرة الاولى ــ وكذلك زعماؤهم واحزابهم ــ دونما توقّعهم سلفاً نتائج الاقتراع:1 ــ للمرة الاولى منذ انتخابات 2005 لا وجود لقوى 8 و14 آذار. يصح ذلك على الائتلافات والتحالفات، كما على الشعارات والعناوين الاستفزازية. لم يعد التيار الوطني الحر جزءاً من قوى 8 آذار بعدما اصبح في حسبانه حزب الرئيس او الحزب الحاكم.

لم يعد الرئيس سعد الحريري ايضاً في قوى 14 آذار بعدما جلس في التسوية الرئاسية الى يمين الرئيس ميشال عون والى يسار حزب الله.
2 ــ للمرة الاولى يذهب الاقطاب الى انتخابات بتواضع استثنائي غير مسبوق، الا انه غير مألوف في حسابهم منذ انتخابات 1992. وصل النائب وليد جنبلاط الى اليوم الذي لم يتصوّره مرة، لكنه كان في الاصل في مزاج المختارة منذ والده الراحل كمال جنبلاط، اذ كان يحلو له وجود خصم قوي قبالته يستطيع ان يربح عليه كالرئيس كميل شمعون. الآن يعيد جنبلاط الابن المقاعد المسيحية في الشوف وعاليه الى اصحابها على انهم حلفاؤه الجدد كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والمحامي ناجي البستاني. يصح ذلك ايضاً على الثنائي الشيعي الذي يتوقع ــ وقد يكون يرتقب ــ خسارة مقاعد مسيحية او سنّية في بعلبك ــ الهرمل) اعتاد الفوز بها، شأن ما سيكون على تيار المستقبل اختباره في صيدا وعكار وطرابلس في طائفته وخارجها.

تناوبت قوى 14
و8 آذار على النصف
+1 والثلث +1
بلا جدوى


3 ــ لأن الاقتراع يستند الى الصوت التفضيلي، فإن الطوائف هي التي تقترع لمرشحيها دونما استفزاز مذهبي خبرته انتخابات 2005 و2009: الاولى حينما قالت ان التصويت لتيار المستقبل وحلفائه هو تصويت للرئيس الراحل رفيق الحريري، والثانية حينما قالت ان التصويت للفريق نفسه هو تصويت للمحكمة الدولية. في الحالين كان التصويب على حزب الله: في الاولى انه حليف قاتل الحريري اي سوريا، وفي الثانية انه هو المتهم بالاغتيال. بدوره رفع الثنائي الشيعي حينذاك شعاراً دفاعياً كأولئك، هو حماية سلاح المقاومة وموقع الطائفة في قلب السلطة.
4 ــ اول انتخابات نيابية مذذاك تبدو سياسية حقاً، اذ يتصرّف كل فريق على انه في حاجة الى حليف قوي يمثل رافعة للائحتهما، قبل التعويل على الصوت التفضيلي. اول انتخابات نيابية لا تحدّد سلفاً موازين القوى في البرلمان الجديد وتوزّع كتله واحجامها.
بالتأكيد لا تدين الفضائل تلك لقانون الانتخاب فحسب، بل للواقع الذي اضحت التحالفات السياسية الناشئة عن التسوية الرئاسية في تشرين الاول 2016، وهي بالكاد صمدت سنة واحدة. راحت تتفكك تدريجاً، بدءاً بالتباين بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على الكهرباء والتعيينات، مروراً بتصاعد الخلاف بين التيار الوطني الحر وتيار المردة، ثم انهيار علاقة تيار المستقبل بالقوات اللبنانية ابان محنة الرئيس سعد الحريري في الرياض، وصولاً ــ وليس انتهاء ــ الى انفجار الخلاف بين التيار الوطني وحركة امل. على مرّ هذا التفكك احاط الغموض بعلاقة جنبلاط بالحريري، وانزعاج حزب الله من التيار الوطني الحر، ثم تبادل حزب الله وتيار المستقبل الكلام الجازم بأن اياً منهما لن يتحالف مع الآخر، بل سيخوض انتخابات ايار بلوائح مكتملة، يوزّعها في دوائر الخصم كي يخوض المنافسة في عقر داره.
هؤلاء جميعاً في قلب السلطة الآن. كانوا اقرب الى فريق واحد عشية اقرار مجلس النواب قانون الانتخاب في 16 حزيران 2017، وعدّوا القانون جسرهم الى غالبية نيابية مرجّحة تتشكل من قوى تسوية 2016، تستبعد ــ او في احسن الاحوال تضعف حتى الانهاك الكامل ــ معارضيهم. بيد انهم اليوم كل في وادٍ، حائر حيال قانون انتخاب الى حد ليس قانونهم، وخائف من الصوت التفضيلي.
في الاسابيع الاخيرة، تصاعدت مخاوف شتى من حصول حزب الله وحركة أمل وحلفائهما في الاحزاب على الثلث +1 في مجلس النواب (43 نائباً)، بما يمكّنهم من السيطرة على نصاب انتخاب الرئيس المقبل للجمهورية وتعديل الدستور، كما لو ان البلاد مقبلة فعلاً على هذين الاستحقاقين. بل كما لو ان هذا الفريق لم يحز مرة هذا النصاب، ولم يُقدِم على استعماله في انتخابات رئاسة الجمهورية.
في انتخابات 2005 حازت قوى 14 آذار على 75 نائباً (قبل تدني العدد جراء اغتيال ثلاثة نواب لاحقاً هم انطوان غانم وبيار الجميل ووليد عيدو)، في مقابل 53 نائباً لقوى 8 آذار. رقم كهذا لم يصل الى النصف +1 كما للفريق الآخر، الا انه وضع بين يديه اكثر من نصاب الثلث +1. في انتخابات 2009 لم تتغيّر الارقام كثيراً: حازت قوى 14 آذار على 72 نائباً، وقوى 8 آذار على 56 نائباً.
في حصيلة انتخابات 2005 و2009، في ضوء حصولها على ما يزيد على 43 صوتاً، امكن قوى 8 آذار تعطيل انتخابات الرئاسة مرتين على التوالي عامي 2007 و2014، من غير ان تتمكن من فرضها ــ بمفردها ــ الرئيس الجديد، الى ان توافقت مع تيار المستقبل وحلفائه على الرئيس ميشال سليمان عام 2008، وعلى الرئيس ميشال عون 2016.
قيل في المرتين ان الفيتو المانع انتخاب الرئيس شيعي بامتياز، وعُزي الى حزب الله اكثر منه الى الرئيس نبيه برّي. في المقابل لم تُجدِ الغالبية النيابية بين ايدي قوى 14 آذار، ولم يُتح لها فرضها على الفريق الآخر في استحقاق 2007 مرشحيها النائب بطرس حرب والنائب السابق الراحل نسيب لحود، ثم تنكّرها لهما بتسمية سليمان الذي لم يفز لولا موافقة حزب الله.
في الاستحقاق التالي عام 2014، سمّى الحريري اكثر من مرشح بدءاً بسمير جعجع مروراً بالنائب سليمان فرنجيه، الى ان وجد نفسه امام خيار عون رغم انه وحلفاءه ــ وهم بعد في قوى 14 آذار ــ يمثلون غالبية نيابية غير كافية لانتخاب رئيس، وغير ممكنة دونما انضمام الصوت الشيعي الى هذا الخيار. اخفقت قوى 14 آذار، في الاستحقاقين، في فرض انتخاب الرئيس وفق نصاب الاكثرية المطلقة حضوراً وانتخاباً. شأن ما رجّح الصوت الشيعي انتخاب سليمان، رجّح الصوت السنّي انتخاب عون.
بذلك يبدو نصاب الثلث +1، شأن نصاب النصف +1، قليل الاهمية في لعبة موازين القوى داخل مجلس النواب، رغم ان فريقي 14 آذار و8 آذار تناوبا على الغالبية النيابية وعلى الثلث +1: الاول في انتخابات 2005 و2009، والثاني على اثر اطاحة حكومة الحريري عام 2011. لم يتعدّ الثلث +1 في المرات تلك سوى كونه فيتو سلبياً ليس الا. يعطّل ولا يفرض ارادة.