إذا كان قرار اتهام الإسلامي السويسري طارق رمضان، «بالاغتصاب واغتصاب شخص في وضع ضعيف» قد وُجِّه له يوم الجمعة الماضي، فإنّ محاكمته إعلامياً مستمرة منذ ثلاثة أشهر في تحدٍّ لمبدأ احترام قرينة البراءة وحفظ كرامة المتهم. وعلى سبيل المثال، ففي معرض البحث ضمن المحتوى الإعلامي للصحافة الفرنسية الرئيسة، يُظهر الصحافي البلجيكي أوليفييه موكونا، في إحدى مقالاته بشأن القضية، سلوكاً معيباً، وعنصرياً، ومطبوعاً بـ«الإسلاموفوبيا».
وفي حين أنّ رئيس صندوق النقد الدولي السابق دومينيك ستراوس ــ كان، الذي كالت له عاملة غينية اتهامات في 14 أيار/ مايو 2011، تتعلق بالاعتداء الجنسي عليها، حظي في حينه بتغطية إعلامية اتسمت باللطف وحتى بالرحمة، فإنّ قرار اتهام أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة في «جامعة أوكسفورد» طارق رمضان، أطلق العنان لعداء يُضرّ بإمكان حصول معالجة مجرّدة لهذه القضية.
غير أنّ هذا السخط الانتقائي ومحاولات تشويه السمعة التي تطاول المسلم (في تعبير عن العنصرية الهيكلية في فرنسا) ليس حكراً على الطبقة الإعلامية المسيطرة. فمنذ سنوات، يتعرض حفيد مؤسس «الإخوان المسلمين» في مصر (رمضان)، لأشدّ الهجمات شراسة من المدافعين الأكثر حماسة عن «الأصولية الجمهوريّة» والصهيونية: بدءاً من الكاتبة المعادية للإسلام سيلين بينا، مروراً بالمدافع الشرس عن الصهيونية المؤرّخ بيار أندريه تاغييف، وبالصحافية كارولين فوريست المُنتقدة مراراً وتكراراً لمجافاتها الحقائق في أعمالها، وبالمُعلّق الصحافي إيريك زيمور الشهير بتجشؤاته العنصرية والمعادية للإسلام، وصولاً إلى رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق مانويل فالز، مُحبّ إسرائيل والمحارب الشرس ضد «الفاشية الإسلامية»، وإنّ اللائحة لتطول.

منذ سنوات، يُهاجِم الرجلَ المدافعون عن الأصولية الجمهوريّة والصهيونية


منذ وقت طويل، تسعى طليعة الناشطين ضمن فريق المحافظين الجدد والصهيونية إلى إذلال طارق رمضان. لكن ما سبب هذا الاتحاد المقدّس ضد هذا المفكّر الإسلامي والباحث السويسري؟ لماذا تحتقره وجوه ثقافية إعلامية فرنسية، يسارية ويمينية على حد سواء، وتتهمه بمعاداة السامية والخطاب المزدوج والطائفية الماكرة؟
في الواقع، إنّ طارق رمضان ليس مجرد عدو أيديولوجي بسبب خطابه المؤثّر الذي يُندد بالتفكير (الغربي) الثنائي والاستقطابي لناحية عدم التوافق بين الحضارة الأوروبية والقيم الإسلامية. هو يدافع عن هوية لا تستند حصراً إلى نواة دينية، بل تدمج مفهوم «الانتماء والمواطنة».
الخطر الحقيقي الذي يمثّله رمضان، يتجلى في دوره القيادي في التأطير السياسي للشباب المسلم وإعطائه الزخم للنشاط الجماعي، في ظلّ هيمنة التشويش الأيديولوجي وتمدد الفوضى الفكرية. كما أنّه شكّل سبباً رئيساً للصحوة التي دفعت نحو المشاركة السياسية للشباب من ذوي الأصول المهاجرة. ومن خلال الجمع بين الالتزام الروحي والمواطنة، فإنّه دعا جيلاً كان يفتقر إلى نقاط ارتكازه إلى التخلي عن التفكير الأقلوّي بهدف الاستثمار في النضال الاجتماعي والسياسي. ومن خلال رصيد ثقافي واجتماعي مهم، فهو أيّد ظهور هيئات نضالية مثل «تجمع مسلمي فرنسا» وشبكة الوجود الإسلامي، وشجّع جمعيات ذوي الأصول المهاجرة على المشاركة في تظاهرات الحركة المناهضة للعولمة في فرنسا وفي مختلف المنتديات الاجتماعية الأوروبية التي جرت بين عامي 2002 و2006.
هذا التمثيل «الإسلامي» في إطار حركة مناهضة العولمة المتعددة الأطياف، أثار نقاشاً جوهرياً بين ناشطي اليسار والإسلاميين حول الدور السياسي للمسلمين، ومهد الطريق أمام مبادرات مشتركة وتحالفات بين تيارات اليسار الراديكالي وأولئك الذين يحسبون أنفسهم على الإسلام السياسي. وبفضل الصدقية الكبيرة التي يتمتع بها بين جيل التسعينيات، جذب رمضان كثيرين من خلال خطابه المتمرد وصورته كمناضل يريد إلغاء الحدود بين الممارسة الدينية والنضال على الساحة الاجتماعية ضد التمييز ومن أجل فلسطين. وإنّ مجمل الجمعيات الإسلامية التي تأثرت بطروحات الباحث الإسلامي السويسري تؤكد على مركزية القضية الفلسطينية، وتنظم مؤتمرات لها وتجمع المساعدات وتشارك في العديد من الحملات المنددة بحصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
لقد أعطى رمضان زخماً لم يسبق له مثيل (أوروبياً) في مسارات التضامن مع فلسطين، وذلك من خلال محاضراته العامة التي تبرز من بينها مداخلته المَهيبة عن غزة في كانون الثاني 2009 والتي أُقيمت في مسجد جنوبي مدينة ليل الفرنسية، وأيضاً من خلال دعمه لمقاطعة معرض الكتاب في مدينة تورينو الإيطالية حين أراد في عام 2008 تكريم إسرائيل لمناسبة احتفالها بعيدها الستين، وكذلك من خلال رده المدوّي على الفنان بوبا الذي ندد في خضم مجزرة غزة بـ«نفاق» الناشطين المؤيدين للفلسطينيين، داعياً المدوّنين إلى الحياد السياسي.
هكذا، فإنّ الأسباب التي تدفع اليوم أصوات «الأصولية الجمهوريّة» والصهيونية نحو الابتهاج بسقوط رمضان في جحيمٍ، أكثر من واضحة. وسواء كان الرجل مذنباً أو لا تبعاً للتهم المنسوبة إليه، فإنّ بتّ هذا الأمر يبقى مسؤولية القضاء الفرنسي في سياق محاكمة عادلة، وليس من مسؤولية الإعلام الاعتباطي الذي، عبر تجريم رمضان، يُجيز وصم مجتمع بأكمله بالإهانات.