القاهرة | يبدو أن لغة الحوار غلبت أجواء التوتر التي سادت بين مصر والسودان، في الأسابيع الماضية، على خلفية ملفات ثنائية وإقليمية. إذ انتهى اجتماع «رباعي» البلدين، أمس، بنتائج إيجابية، من شأنها أن تخفف من وطأة الضغوط السياسية التي تحاصر الدولة المصرية من اتجاهات متعددة.
وعلى مدار أكثر من ثلاث ساعات، انعقد اجتماع «الآلية الرباعية» بين مصر والسودان، والتي تضم وزيري الخارجية ومديري جهازي المخابرات العامة في البلدين، وجرى الاتفاق على عقد اجتماعات للجنة كلما دعت الحاجة الى ذلك، على أن يكون مقر الانعقاد بالتناوب بين القاهرة والخرطوم.
ورغم أجواء التحفظ والترقب التي استبقت اللقاء، إلا أن النتائج جاءت على قدر التوقعات، بحسب مصادر في الخارجية المصرية شاركت في الاجتماع الذي عقد في «قصر التحرير» وسط القاهرة، والذي اتسمت أجواؤه بحفاوة وترحيب من الجانب المصري، والتأكيد على ضرورة تعزيز التعاون وطي صفحة الخلاف التي حمّل الطرفان فيها الإعلام المسؤولية الأكبر.

الاجتماع الثنائي كشف أن الخرطوم لا تحمل حلاً سحرياً تراهن عليه القاهرة


ونقل القائم بأعمال جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، الذي يشغل أيضاً منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية، رسالة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد فيها حرصه على زيارة الخرطوم وتعزيز العمل المشترك، وتجنّب أي خلافات، مع إبداء تفهم كامل للأوضاع الداخلية في السودان، والتي تدفع بعض المسؤولين السودانيين إلى الإدلاء بتصريحات تبدو في ظاهرها عدائية تجاه مصر، خصوصاً في ما يتعلق بملف مثلث حلايب وشلاتين الحدودي.
وكان لافتاً أن الاجتماع الرباعي استهل بلقاء مغلق، لم يستمر وقت طويل، واعقبه انضمام وفدين من البلدين إلى المحادثات التي تناولت سبل التعامل مع الملفات العالقة، لا سيما في ما يتعلق بـ«سد النهضة» الاثيوبي الذي استحوذ على الجزء الأكبر من المفاوضات.
وفي هذا السياق، طلب مدير المخابرات المصري عباس كامل تعاوناً من السودان بشكل كامل لانهاء تلك الأزمة الإقليمية، وعدم تصعيد الأمور دولياً. من جهته، عرض مدير المخابرات السوداني الفريق محمد المولي بعض التصورات عن التعامل مع السد الاثيوبي، مؤكداً أنه لن يتسبب في الإضرار بحصة مصر المائية.
ورغم الأجواء الإيجابية، إلا أن الاجتماع كشف أن الخرطوم لا تحمل حلاً سحرياً تراهن عليه القاهرة في ما يتعلق بحل أزمة «سد النهضة». إذ لم يخرج الموقف السوداني عن تصريحات سابقة أُطلقت بعد القمة الإفريقية الأخيرة، التي عقد على هامشها لقاء بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر حسن البشير ورئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين، وتمحورت حول إعلان صادر عن وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور عن اتفاق بين القادة الثلاثة على تشكيل لجنة ثلاثية، تضم تسعة وزراء (الخارجية والري والمخابرات) لمناقشة هذا الملف على أن تجتمع في غضون شهر.
إلى ذلك، قال الغندور إن الأمور باتت ممهدة لعودة السفير السوداني إلى القاهرة، بعد استدعائه الشهر الماضي، مؤكداً أن أسباب الاستدعاء في طريقها إلى الحل. ونفى وجود نية لإنشاء قاعدة تركية في جزيرة سواكن، مشدداً على أنه لم يكن هناك أي حديث حول هذا الأمر خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخرطوم، في وقت رشحت تسريبات عن أن الموقف المصري، خلال الاجتماع المغلق، كان حازماً بعدم القبول بهذه الخطوة «مهما كان الثمن».
وفي بيان مشترك أكد الوزيران الغندور وسامح شكري «ثوابت العلاقات الاستراتيجية الشاملة بين البلدين»، مؤكدين أن «العلاقات بين مصر والسودان قوية ومتينة وأزلية». وشدد الوزيران على أن «محادثات القيادتين المصرية والسودانية خلال القمة الإفريقية الأخيرة، أظهرت خريطة الطريق التي ستسير عليها العلاقات بين البلدين الشقيقين». وجدد ا «التأكيد على ثوابت العلاقات الاستراتيجية الشاملة، والعمل على تعزيز المصالح المشتركة، ومراعاة شواغل كل منهما، واحترام الشؤون الداخلية، وتطوير التعاون المشترك في مجالات مياه النيل، مع الاتفاق على تنفيذ نتائج القمة الثلاثية المصرية ــــ السودانية ــــ الإثيوبية حول سد النهضة في أديس أبابا، وتنفيذ التوجيه الرئاسي بإقامة صندوق ثلاثي لتعزيز المشاريع التنموية الثلاثية».
وشددا أيضاً على «أهمية تصحيح التناول الإعلامي والعمل على احتواء ومنع التراشق ونقل الصورة الصحيحة للعلاقات الأزلية بين البلدين، والعمل المشترك على إبرام ميثاق الشرف الإعلامي، ورفضهما للتناول المسيء لأي من الشعبين أو القيادتين»، معربين عن اتفاقهما على «تعزيز التشاور في القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون العسكري والأمني، وعقد اللجنة العسكرية والأمنية في أقرب فرصة، والإعداد لعقد اللجنة المشتركة برئاسة رئيسي البلدين خلال العام الجاري في الخرطوم».
وقال شكري إن «المشاورات اتسمت بالصراحة والشفافية، وطرحت خلالها كل الشواغل التي أدت إلى قدر من سوء الفهم وعدم الارتياح بين البلدين»، لافتاً إلى أنه «تم التوافق على بيان مشترك بين البلدين، مع رفع توصية للقيادتين السياسيتين بضرورة انعقاد القمة (السودانية ــــ المصرية) لما تمثله من قوة دفع للعلاقات الثنائية»، مع التأكيد على «عدم وجود رغبة في الإضرار بالأمن القومي في البلدين»، وأن «مصر ليس لها أي تأثير سلبي علي الأمن القومي السوداني».