حينَ تفاجأ الرئيس سعد الحريري بوجود حالة «اعتراضية» مُنظّمة داخل تيّاره، عُرفت بما يُسمّى «مجموعة العشرين» - يتزعمها الرئيس فؤاد السنيورة (الأخبار - العدد ٣٢٢١ الثلاثاء ١١ تموز ٢٠١٧)، كان أغلب الظنّ لديه أن هامش اعتراضها لن يتخطّى أسوار بيته في وادي أبو جميل. لكن مع الأيام المُقبلة، سيعرف أن عدم احتواء هذه المجموعة والالتفات إلى ملاحظاتها، سينقلها من خانة المُعارضة الحزبية إلى المعارضة البرلمانية، حيث يستعد عدد من أعضائها لتشكيل لائحة منافسة للائحة «المُستقبل» في بيروت «الثانية».
ثلاثة أشهر فقط تفصِلنا عن موعِد الاستحقاق المُزمع إجراؤه. ومع كل يوم، يتّضح أن المعركة التي سيخوضها «المُستقبل» في هذه الدائرة التي تُعد عقر داره، لن تكون سهلة. أهميتها لا تكمن فحسب في تشكيل لوائح لأفرقاء طالما كانوا خصوماً للحريري، بل في بروز نواة لوائح لأشخاص خرجوا من رحِم «التيار» ليكونوا منافسين لرئيس الحكومة، بعد أن كانوا سنداً متيناً له، منذ وراثته لتركة الرئيس رفيق الحريري السياسية والشعبية في عام 2005. وبالتالي، يعني ذلك أن فُرص نجاحهم ستكون أعلى من الآخرين، لأنهم الأكثر قدرة على «الأكل من صحن» المستقبل نفسه، والأكثر تعبيراً عن لسان حال القاعدة الشعبية للتيار.
عدم تجاوب الحريري مع تحذيرات هذه المجموعة «من تكاليف السياسية الانهزامية وتأثيرها في الشارع السنّي»، دفع بعض أعضائها الانكفاء، كما فعل السنيورة، فيما فضّل آخرون الانغماس أكثر بالعمل السياسي، والانتقال من موقع «الواعظ» إلى موقع المسؤولية، كرئيس تحرير صحيفة «اللواء» صلاح سلام. الأخير الذي لم تنقطع علاقته يوماً بكل من السعودية والإمارات، على تواصل دائم مع عائلات وفعاليات بيروتية تدعم ترؤسه لائحة عن أبناء بيروت تعكُس توجّههم السياسي في مقابل لائحة رئيس الحكومة. كثيرة هي الأسباب التي تدفع سلام إلى خوض المعركة الانتخابية، رغم أنه «لا يزال يرى في الحريري الزعيم الأول للسنّة» كما يقول مقربون منه. من «شعور الإحباط الذي أصاب هذه الطائفة، نتيجة محاولة بعض الأطراف السياسية مُصادرة دورها وحقوقها في السلطة، ولا سيما من قبل فريق رئيس الجمهورية»، وصولاً إلى «الاختلال في المعادلة السياسية دون أن يكون هناك أي مواجهة من قبل الحريري».
المُشكلة بالنسبة إلى الذين تمثّلهم حالة الاعتراض هي في «غياب أي بديل حقيقي عن الحريري»، لذا بالنسبة إلى المُطلعين على حركة صلاح سلام الانتخابية، فإن «أهمية تشكيل عدد من اللوائح في هذه الانتخابات هي أنها ستفرز قيادات شابة يُمكن أن تكون مشاريع بديلة في المستقبل». ويقول هؤلاء إن سلام يتجه إلى تشكيل لائحة كاملة «لم تُحسم فيها كل الأسماء بعد، لكن من بين الأسماء التي تجري مناقشتها الوزير السابق خالد قباني (نفى في اتصال مع «الأخبار» سابقاً نيّته الترشّح)، رئيس نادي الأنصار نبيل بدر، وعلي عساف رئيس المركز الإسلامي المقرب من الرئيس نجيب ميقاتي»، في مقابل نفيهم أن «يكون ميقاتي من داعمي هذه اللائحة، أو أن يكون سلام من الأشخاص الذين يلعبون دور وساطة بينه وبين الوزير السابق أشرف ريفي لتشكيل لائحة مشتركة واحدة في بيروت».
ويتحدّث المقربون عن خيارات محدودة أمام الناخبين في هذه الدائرة «إما الانكفاء نتيجة عدم وجود لائحة بديلة ذات صدقية وتضمّ أسماءً توحي بالثقة، أو أن يكون لديهم فرصة للتصويت للائحة ثانية تعبّر عن طموحاتهم»، وقد تكون لائحة سلام هي اللائحة الثانية، وعنوان معركتها الانتخابية نسخة عن «الوثيقة البيروتية» التي أطلقها ما يسمى «المجتمع المدني البيروتي»، وهو عبارة عن تجمع يضم رجال أعمال ومحامين ومهندسين ووجهاء وإعلاميين، وتشدد الوثيقة على «المظلومية التي تعيشها بيروت والبيارتة».
أياً كان حجم التعاطف الشعبي الذي لقيه الحريري نتيجة احتجازه من قبل السعودية وإجباره على الاستقالة، فهو من الناحية العملية «لن يقدّم ولن يؤخّر في نتيجة الانتخابات». لماذا؟ «لأنه ذهب أدراج الرياح دون أن يجري استثماره في لملمة الصف المستقبلي وقاعدته، كما لم يستغلّ كفرصة لإعادة توحيد الطائفة». وبناءً عليه، لا يتخوّف داعمو هذه اللائحة من منافسة «المستقبل» الذي تحوّل بالنسبة إليهم إلى «عبء غير ذي نفع، بعد ثبوت عجزه عن الاستجابة لحاجات البيروتيين» برأيهم.




المخزومي للائحة غير مكتملة

لم ترتسم بعد صورة التحالفات الانتخابية في «بيروت الثانية»، بانتظار أن تستكمل الأحزاب السياسية الرئيسية لوائحها الانتخابية، باستثناء حزب الله وحركة أمل اللذين حسما أمر تحالفهما معاً في كل الدوائر. وعلمت «الأخبار» أن الحزب والحركة قررا تأجيل حسم الترشيحات إلى الأسبوع المقبل، بعدما كان مقرراً الانتهاء منها هذا الأسبوع. فيما أعلن أمس رئيس حزب الحوار الوطني​ ​فؤاد مخزومي​، في مؤتمر صحافي ترشحه عن أحد المقاعد السنية في الدائرة الثانية، في ظل مؤشرات حول نيته تشكيل لائحة غير مكتملة تضم كلاً من: هدى أسطة، سعد الدين الوزان، بسام نعماني (عن المقاعد السنية)، حسن صبرا (المقعد الشيعي)، روجيه الشويري (روم أرثوذكس) ووليد عربيد (المقعد الدرزي).